ما مرّ بها من أحداث جسام شهدتها بعيني رأسها، ولمستها بيديها عن كثب، ولكنّها لاذت بكلّ كبريائها وعزّة نفسها وكرامة محتدها، واعتزّت بعلوّ حسبها ونسبها الشريفين، والتفّت بجلال البنوّة، وجلست بعد أن كانت قد لبست أبلى ثيابها وأرذلها متنكّرة فيها، منتحية ناحيةً من القاعة، تحفّ بها إماؤها. ثم أمر اللعين ابن زياد، فجيء له برؤوس الضحايا والشهداء، ومن بينها الرأس الشريف لمولانا أبي عبدالله الحسين رضي الله تعالى عنه، فجعل اللعين ابن زياد ينكت بقضيب كان في يده بين ثنيتي الرأس الشريف، غير عابئ بشعور الحاضرين، ولا مراع لإحساس أهل البيت النبوي، وهم يرون ما يصنع هذا المجرم الآثم. ولذلك انبرى له زيد بن الأرقم[229] وصاح فيه قائلاً: أعل هذا القضيب عن هاتين الثنيتين، فوالذي لا إله غيره، لقد رأيت شفتي رسول الله (صلى الله عليه وآله) على هاتين الثنيتين يقبّلهما، ثم بكى. فقال له اللعين ابن زياد: أبكى الله عينيك، فوالله لولا أنّك شيخ قد خرفت وذهب عقلك، لضربت عنقك. فخرج ابن الأرقم وهو يقول: أنتم يا معشر العرب! العبيد بعد اليوم، قتلتم ابن فاطمة، وأمَّرتم ابن مرجانة، فهو يقتل خياركم ويستعبد شراركم، فرضيتم بالذلّ[230]. نظر اللعين ابن زياد إلى الحاضرين أمامه، وتفحّص كلاًّ منهم بنظرة،ثم تساءل عن هذه المنحازة وحدها ومعها نساؤها وهي شامخة الرأس عالية، فلم تجبه