الحمد لله عدد الرمل والحصى، وزنة العرش إلى الثرى، أحمده وأؤمن به وأتوكل عليه، وأشهد أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمداً عبده ورسوله. اللّهم إنّي أعوذ بك أن أفتري عليك الكذب، أو أن أقول خلاف ما أنزلت عليه من أخذ العهود لوصيّه علي بن أبي طالب، المقتول كما قُتل ولده بالأمس، في بيت من بيوت الله، فيه معشر مسلمة بألسنتهم، تعساً لمروءتهم، ما رفعت عنه ضيماً في حياته وبعد وفاته، حتّى قُبض إليك محمود النقيبة، طيّب العريكة[223]، معروف المناقب، مشهور المذاهب، لم تأخذه فيك لومة لائم، زاهداً في الدنيا، مجاهداً في سبيلك، فهديته إلى صراطك المستقيم. أمّا بعد، يا أهل الكوفة! يا أهل المكر والغدر والخيلاء! فإنّا أهل بيت ابتلانا الله بكم وابتلاكم بنا، فجعل بلاءنا حسناً، وجعل علمه عندنا وفهمه لدينا، فنحن عيبة علمه[224]، أكرمنا بكرامته، وفضّلنا بمحمد نبيّه (صلى الله عليه وآله) على كثير ممّن خلق تفضيلاً، فكذّبتمونا ورأيتم قتالنا حلالاً، وأموالنا نهباً، كأنّا أولاد ترك أو كابل، فلا تدعوكم أنفسكم إلى الجدل بما أصبتم من دمائنا، ونالت أيديكم من أموالنا، فكأنّ العذاب قد حلّ بكم وأتت نقمات، ألا لعنة الله على الظالمين. تبّاً لكم يا أهل الكوفة! أيّ تراث لرسول الله (صلى الله عليه وآله) قبلكم، ودخول له لديكم، بما عنتّم بأخيه علي بن أبي طالب، افتخرتم بقتل قوم زكّاهم الله في كتابه، وطهّرهم وأذهب عنهم الرجس، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، ومن لم يجعل الله له نوراً فماله من نور. ثم تكلّمت أم كلثوم بنت الإمام علي كرّم الله وجهه وشقيقة العقيلة[225] الطاهرة السيدة زينب رضي الله تعالى عنهما، وقد غلب عليها البكاء، فقالت: يا أهل الكوفة