أتبكون وتنتحبون؟ إي والله فابكوا كثيراً واضحكوا قليلاً، فقد ذهبتم بعارها وشنارها، ولن ترحضوها بغسل أبداً، وأنّى ترحضون قتل سليل خاتم النبوة، ومعدن الرسالة، مدرة[219] حجتّكم ومنار محجّتكم، وملاذ خيرتكم، ومفزع نازلتكم، وسيد شباب أهل الجنة، ألا ساء ماتزرون. فتعساً ونكساً، وبُعداً لكم وسحقاً، فلقد خاب السعي، وتبّت الأيدي، وخسرت الصفقة، وضربت عليكم الذلّة والمسكنة. ويلكم يا أهل الكوفة! أتدرون أيّ كبد لرسول الله فريتم، وأيّ كريمة له أبرزتم، وأيّ دم له سفكتم، وأيّ حرمة له انتهكتم؟ لقد جئتم شيئاً إدّاً، تكاد السماوات يتفطّرن منه، وتنشقّ الأرض، وتخرّ الجبال هدّاً. ولقد أتيتم بها خرقاء شوهاء كطلاع[220] الأرض وملء السماء، أفعجبتم أن مطرت السماء دماء، ولعذاب لا يحفزه[221]البدار، ولا يخاف فوت الثأر، وإنّ ربّك لبالمرصاد. أدهش خطابها البليغ الذي تدفّق من لسانها كجلمود صخر حطّه السيل من عل، هؤلاء القوم وأثّر فيهم، وأيقظ أفئدتهم، وأظهر لهم شنيع جرمهم، فأخذوا وقد أدركوا فجيعة فاجعتهم وعظيم جنايتهم في حقّ الإسلام والمسلمين، فلايدرون ما يصنعون، حتّى أنّ شيخاً كبيراً كان يستمع، فأبكاه كلامها حتّى اخضلّت لحيته بالدموع، وأخذ يقول: ـ بأبي أنتم وأمي، كهولكم خير الكهول، وشبابكم خير الشباب، ونساؤكم خير النساء، ونسلكم خير النسل، لايخزى ولايبزو[222]. ثم تكلّمت فاطمة الصغرى فقالت: