يا أصحاب محمداه، هؤلاء ذرّية المصطفى يساقون سوق السبايا، وهذا حسين محزوز الرأس من القفا، مسلوب العمامة والرداء. بأبي من أضحى معسكره يوم الاثنين نهباً، بأبي من فسطاطه مقطَّع العرى، بأبي من لا غريب فيرجى، ولا جريح فيداوى، بأبي من نفسي له الفداء، بأبي المهموم حتّى قضى، بأبي من جدّه محمد المصطفى، بأبي خديجة الكبرى، بأبي علي المرتضى، بأبي فاطمة الزهراء، بأبي من ردَّت عليه الشمس حتّى صلّى. ولقد صوّرت العقيلة السيدة زينب رضي الله تعالى عنها بكلامها الفصيح وبلاغتها الفائقة الموقف الذي مرّ عليه الركب أبلغ تصوير، ولذلك أبكت ألفاظها التي صدرت من قلب جريح مسكور كلّ عدوّ وصديق، وكان لكلامها هذا أعظم الأثر في الإحساس بفداحة ما أقدم عليه القوم من فعلة شنعاء، والشعور بعظم الخسارة التي لاتعوّض. ولمّا أقبل الركب على الكوفة، تتقدّمه السبايا والرؤوس المقطَّعة، في نحو أربعين جملاً، كان زين العابدين علي بن الحسين رضي الله تعالى عنهما على بعير بغير غطاء، وفي حالة يرثى لها من الضعف والمرض، ومن الحزن على ما أصاب أهل البيت النبوي الكريم وعلى رأسهم والده الحبيب، فكان يقول في أسىً وألم بالغين: يا أمة السوء لا سقياً لربعكم *** يا أمة لم تراع أحمداً فينا لو أنّنا ورسول الله يجمعنا *** يوم القيامة ما كنتم تقولونا تسيرون بنا على الاقتاب عاريةً *** كأنّنا لم نشيد فيكم دينا بني أُمية ما هذا الوقوف على *** هذي المصائب لم تصغوا لداعينا تصفقون علينا كفّكم فرحاً *** وأنتم في فجاج الأرض تسبونا أليس جدي رسول الله الكريم *** هادي البرية من سبل المضلّينا يا وقعة الطف قد أورثتني حزناً *** والله يهتك أستار المسيئينا وما أن وقعت أنظار الكوفة على هذا الركب، حتّى أقبلوا يناولون الأطفال وهم