وكان من نعمة الله تعالى على الأمة المحمدية أن بقي زين العابدين علي بن الحسين حيّاً، إذ حفظ الله تعالى به ذرّية الإمام الحسين، وهم من ذرّية جدّه النبي الأمين محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله). كما سيق في هذا الركب من نساء البيت النبوي الكريم: العقيلة الطاهرة السيدة زينب، وأُختها أُم كلثوم، وابنتا الإمام الحسين فاطمة وسكينة، وبقية من نساء بني هاشم رضي الله تعالى عنهنّ جميعاً. حملت السيدة العقيلة زينب ومن معها على أقتاب[212] الجمال بغير غطاء، فمرّت على مصارع الشهداء، ووقعت أبصار النساء والأطفال على أبشع منظر، فكان لذلك أثره العميق في النفوس; إذ كانت الأرض مغطّاة بجثث الأبرار، محزوزة الرؤوس، وقد ارتوت رمال الصحراء من دمائهم، وتسفي عليها الرياح، وتطير في الفضاء القريب منهم الطيور الجارحة، كأنّها تريد أن تنقض على لقمة سائغة ووليمة حافلة، فضلاً عن الوحوش الكاسرة التي كانت تنتظر هبوط الليل لتخرج من جحورها لتشترك بنصيب في هذه الوليمة الأموية! كان لهذا أثره البالغ على العقيلة السيدة زينب رضي الله تعالى عنها، فنفد صبرها، ولم تتمالك نفسها أمام ما ترى من هول وبشاعة، فنادت بصوت حزين وقلب يتفتّت حسرةً وألماً. يا محمداه! صلّى عليك مليك السماء، هذا حسين بالعراء، مقطَّع الأعضاء، وبناتك سبايا، إلى الله المشتكى، وإلى محمد المصطفى، وإلى علي المرتضى، وإلى فاطمة الزهراء، وإلى حمزة سيد الشهداء. يا محمداه! هذا حسين بالعراء تسفى عليه الصبا، قتيل أولاد البغايا. واحزناه، واكرباه عليك يا أبا عبدالله، اليوم مات جدّي رسول الله.