كلّها ينشد الحقّ ويسعى إليه، ويكره الباطل ويحاربه. وهذا ما يفسّر موقفه بعد ذلك عندما قرّر أن يتصدّى لظلم بني أُمية، والوقوف في وجه يزيد، واستشهد في سبيل المبدأ. ولو أراد أن يعيش في ترف من العيش، وفي رغد من المال، لاستطاع، ولأعطاه الحكم الأموي ما يريد على ألاّ يقف في طريقهم، ويفنّد أكاذيب حكمهم الذي ابتعد عن الحكم الذي انتهجه الراشدون من الخلفاء. لو أراد ذلك ما كلّفه ذلك إلاّ الصمت عن الخوض في سياسة الدولة الأموية المتمثلّة في يزيد بن معاوية، ولكنّه رفض أن يرى الظلم ويسكت... ورفض أن يرى الباطل يرتفع له لواء ويصمت... ورفض أن يرى الحكم بالكتاب والسنّة قد خفت ثم يلوذ بالصمت...ورفض أن يشاهد المظالم على أشدّها، وأموال المسلمين تغدق بلا حساب على الأعوان وطلاّب السلطة، والمتحلّقين لها يبغون السلطان ويضع يده في أذنيه. لقد قرّر أن يقوم بثورة... أن يغيّر من الصورة القاتمة التي عشّشت على العالم الإسلامي في فترة حكم يزيد بن معاوية. هل كان يعرف أنّه يستطيع أن يتغلّب على الدولة الأموية في أوج قوّتها وعنفوان سلطانها؟ وهل حسب أنّ بقدرته أن يقضي على دولة لها جيوشها القوية، ويدها المتمكّنة من أعناق الناس، ولها سطوة الحكم، وجبروت السلطة؟ هل كان اندفاع من الإمام الحسين أن يذهب ليحارب قوى عاتية تملك السلاح والرجال، ويخرّ تحت أقدامها طلاّب النفوذ والجاه والمال؟ وهل كان يتصوّر أن ينتصر وسيوف الناس معهم حتّى ولو كانت قلوبهم معه؟أم أنّ الأقدار قد كتبت عليه أن يكون دمه الشريف نقطة تحوّل في التاريخ الإسلامي كلّه؟ فإنّ دم الإمام الحسين لم يضع عبثاً، فقد انهارت الدولة الأموية بعد أقلّ من قرن واحد، ولتظلّ بعد ذلك العبرة بأنّ الحقّ دائماً يعلو في النهاية مهما كانت أشواك الطريق. إنّ النظر إلى موقف الإمام الحسين من خلال النظرة إلى الحوادث التي تمرّ بدنيا