الناس ربّما لا يكون نظراً سليماً، فإنّ لموقف الإمام الحسين بُعداً إيمانياً غيبياً، فقد كان عليه أن يطلق صيحته بأن يكون الحكم شورى بين المسلمين كما أقرّه الإسلام، وأنّ الديكتاتورية وحكم الفرد ممّا يأباه الإسلام، وأنّ تقويم الأوضاع لابدّ له من الضحايا،لابدّ من الدماء والدموع، حتّى لا يترك الباطل يرفع رايته في أرض الله، وحتّى لا تترك سلوكيات الناس حسب الأهواء، بل حسب ما جاء في كتاب الله وسنّة الرسول (صلى الله عليه وآله). لقد كان الإمام الحسين يوقن بقوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِنَفْس أَن تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ كِتَابَاً مُؤَجَّلاً) ]آل عمران: 145[. وقد أخرج الإمام أحمد في مسنده[204]، هذا الحديث الشريف: عن أُم سلمة قالت: رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو يمسح رأس الحسين ويبكي، فقلت: ما بكاؤك؟ قال: «إنّ جبريل أخبرني أنّ ابني هذا يُقتل بأرض يقال لها كربلاء». قالت: ثم ناولني كفّاً من تراب أحمر، وقال: «إنّ هذا من تربة الأرض التي يُقتل بها، فمتى صار دماً فاعلمي أنّه قد قُتل». قالت أُم سلمة: فوضعت التراب في قارورة عندي، وكنت أقول: إنّ يوماً يتحوّل فيه دماً ليوم عظيم. وفي رواية أخرى عن أُم سلمة قالت: كان جبريل عند النبي (صلى الله عليه وآله) والحسين معي، فبكى فتركته، فذهب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال له جبريل: أتحبّه يا محمد؟ قال: «نعم». قال: إنّ أمتك ستقتله، وإن شئت أريتك من تربة الأرض التي يُقتل بها، فبسط جناحه إلى الأرض، فأراه أرضاً يقال لها: كربلاء![205] ورويت أحاديث كثيرة بصيغ مختلفة تجمع في مضمونها على أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) قد