كلّ هذه القيم والشمائل التي تربّى عليها الإمام الحسين، جعلت منه إنساناً متكاملاً في أخلاقه، صاحب شخصية قوية آسرة، محبوباً من الناس. كان الإمام الحسين تقيّاً... بليغاً... ونقيّاً... صاحب مروءة... ومحبّاً للخير... عزوفاً عن الشرّ، فقيهاً في أمور دينه، جواداً كجدّه العظيم، بجانب وسامته الفائقة، فقد كان شبيهاً بجده (صلى الله عليه وآله). وما أكثر ما قاله الرواة عن شخصية الحسين المحبوبة من الناس! وما أكثر ما ساقوه عن تواضعه وهيبته وقوة منطقه! وما أكثر الروايات التي ساقها الرواة عن مدى احترام الصحابة وأبناء الصحابة لشخصية الحسين. الرواة يروون مثلاً عن فصاحته وبلاغته فيسوقون مثالاً عن حديثه لأبي ذرّ (رضي الله عنه)الذي هاجم الترف الذي يعيش فيه معاوية وبنو أُمية، فنفاه معاوية عندما كان والياً على الشام، ونفاه الخليفة عثمان بن عفان من المدينة، فقال الحسين للصحابي الجليل المغلوب على أمره: «يا عماه! إنّ الله قادر أن يغيّر ما قد ترى، والله كلّ يوم في شأن... وقد منعك القوم دنياهم ومنعتهم دينك، وما أغناك عمّا منعوك، وأحوجهم إلى ما منعتهم، فاسأل الله الصبر والنصر، واستعذ به من الجشع والجزع، فإنّ الصبر من الدين والكرم، وإنّ الجشع لايقدّم رزقاً، والجزع لايؤخّر أجلاً»[196]. هذه الكلمات اللغوية الرائعة التي تنبئ عن عقلية متفتّحة واعية، قالها الإمام الحسين وكان عمره ثلاثين عاماً! ويروي الرواة عن جوده وكرمه الكثير، ومن ذلك أنّ أُسامة بن زيد أقعده المرض، وذهب الإمام الحسين لزيارته فوجده شديد الحزن، لا لخوفه من الموت، ولكن لأنّ عليه ديناً يخشى أن يموت دون أن يقدر على سداده، وكان الدين ثقيلاً على أُسامة، فسدّده الإمام الحسين حتّى يلقى أُسامة وجه ربّه وهو قرير العين والفؤاد[197].