أرضاً خصبة وقلوباً مفتوحة مرحّبة ومشايعة، لكنّ البعض الآخر رجوه أن يبقى في المدينة ويصمد، رغم أنّ المدينة من الناحية الاستراتيجية العسكرية غير صالحة. وقد انقاد النفس الزكية للرأي الذي غلب ببقائه في المدينة لحرب قوات المنصور، وكان لابدّ ممّا ليس منه بدّ، إذ كانت المدينة هي المصيدة بالنسبة لمحمد النفس الزكية الذي هُزم وقُتل واحتزّ رأسه. وفي كتاب «العبر في خبر من غبر»: «أنّ محمداً النفس الزكية ظهر في المدينة المنوّرة، وخرج في مائتين وخمسين نفساً بالمدينة، فندب الخليفة المنصور لحربه ابن عمّه عيسى بن موسى، يدعوه إلى الإنابة، فلم يسمع، ثم أنذر عيسى أهل المدينة ورغّبهم ورهّبهم، ثم زحف إلى المدينة فظهر عليها، وقتل محمداً وبعث برأسه إلى المنصور»[151]. وقد أثّر في إبراهيم مقتل أخيه. حتّى أنّه صعد إلى المنبر ونعاه، فأبكى الناس[152]. ويقال: إنّ إبراهيم جمع حوله مائة ألف محارب، وأنّه لو أحكم التخطيط لانهزمت الدولة العباسية. وكان المنصور يستشعر هذا الأمر، فجنَّد كلّ القوى ضد إبراهيم، وأرسل إليه المنصور ـ ابن عمّه ـ عيسى بن موسى الذي قتل النفس الزكية، بجيش عباسي كبير، فدارت معركة هائلة في «باخمرى»[153]، أو «باغمرى»، ما بين واسط والكوفة، وكادت الهزيمة تلحق بالجيش العباسي، لولا أنّ عيسى بن موسى ثبت في المعركة، وأبى أن يغادر ساحتها حتّى يُقتل أو ينتصر. وما زال الفريقان يقتتلان، حتّى بدا أنّ جيش إبراهيم ينهزم، بعد أن تخلّى عنه