والفتن، وظلَّ الأمر كذلك حتى أوائل المائة الثانية، حيث وفِّق علماء المسلمين إلى تدوينها. والحاصل: أنّ السنّة لم تكن مدوَّنة، ولم يتيسَّر لفرد أو أفراد أن يجمعوها كلّها حفظاً، وكيف يسهل ذلك، وقد مكث النبي (صلى الله عليه وآله) من مبعثه إلى وفاته ثلاثاً وعشرين سنةً وهو يحدّث، ويفعل، ويرى أفعالاً يقرّها أو ينكرها، وأحوال الصحابة كانت مختلفة من حيث السبق إلى الإسلام والتأخّر، وكثرة ملازمة النبي (صلى الله عليه وآله) وقلّتها، فنتج من ذلك أنّ علم السنّة كان موزّعاً بينهم، فمنهم المقلّ، ومنهم المكثر، وأيّاً ما كان فما يعلمه أحدهم أقلّ ممّا يجهله، لذلك كان يسأل بعضهم بعضاً، ولكن تنوّعت طرقهم واختلفت. ولمّا توفّي رسول الله (صلى الله عليه وآله) تفرّق أصحابه في البلاد، فأخذ أهل كلّ بلد عمَّن لديهم من الأصحاب، وكان هذا من أهم أسباب الاختلاف بين المذاهب الإسلامية وأئمّتها، فأصبح من الواجب أن يفحص عن صحيحها، ويؤخد بأصحّها. نعم، دوّن علي (عليه السلام)فقط بخطّ يده كلّ السنّة عن إملاء رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكان أكثر ملازمة للنبي (صلى الله عليه وآله). والحاصل: أنّ سنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد رواها المسلمون بمختلف الطرق، ولاشكّ في أنَّ أصحّها ما وصل إلينا عنه (صلى الله عليه وآله) بما صحّ لدينا من طريق أهل بيته الذين هم أدرى بما في البيت، وأولاده الأئمّة الهداة الذين هم سفن النجاة. وهذا يظهر جلياً من الجمع بين الحديثين النبويّين المستفيضين عند جميع المسلمين على اختلاف مذاهبهم. أحدهما: قوله (صلى الله عليه وآله): «ستفترق أمّتي من بعدي إلى ثلاث وسبعين فرقة، فرقة منها ناجية»[65]. وفي تفسير الرازي الجزء الأوّل الصفحة الثالثة: «أمّا الاعتقادات فقد جاء في الخبر المشهور قوله (صلى الله عليه وآله): «ستفترق أمّتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلّهم في النار، إلاّ فرقة واحدة». والثاني: قوله (صلى الله عليه وآله): «مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح، من ركبها نجى، ومن تخلّف