يُقام لرأيه وزن في أنَّ السنّة إذا ثبتت وصحّت عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) يجب الأخذ بها والعمل على مقتضاها، ولكن دون إثباتها خرط القتاد: فإنَّ الأمّة العربية كانت أمّية، كما يشير إليه قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ)[62] والاُمّي بحكم اعتماده على قريحته، وضعف تعويله على غيرها أقدر على الحفظ وأقوى عليه من الكاتب. ومن هنا اتكل الصحابة في السنّة على حفظهم، وسيلان أذهانهم، وتوقُّد قرائحهم، فلم يكتبوها، ولم يأمرهم النبي (صلى الله عليه وآله) بكتابتها، كما كان يأمرهم بكتابة القرآن، بل على العكس من ذلك كان ينهاهم عن كتابتها، سيّما كتّاب وحيه الذين كانوا يكتبون القرآن في صحف، لتحفظ في بيت النبوة. ففي بعض الصحاح: أنَّه (صلى الله عليه وآله) قال لهم: «لا تكتبوا عني غير القرآن»[63]. فلو أنّه (صلى الله عليه وآله)أجاز لهم كتابة الحديث، لم يؤمن أن يختلط القرآن بغيره، واستثنى من ذلك علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فأمره بأن يخطّ في صحيف كلّ ما أملاه رسول الله (صلى الله عليه وآله) من الحلال والحرام وتعاليم الإسلام، وكتب علي أيضاً في صحيفة أخرى عن إملائه (صلى الله عليه وآله)الديات، والعقل، وفكاك الأسير. وروى النسائي أنّه كان مكتوباً فيها: «المؤمنون تتكافأ دماؤهم، وهم يد على سواهم، ويسعى بذمّتهم أدناهم. ألا لايقتل مسلم بكافر، ولا ذو عهد في عهده. من أحدث حدثاً فعلى نفسه، أو آوى محدثاً، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين»[64]. ومهما يكن من الأمر، فإنّ الذي كُتب على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) من السنّة قليل جداً عند المسلمين، وذلك لشيوع الأمّية، وخوفهم اختلاط السنّة بالقرآن، ولئلاّ ينصرف الناس بحفظ السنّة عن حفظ القرآن. يضاف إلى تلك الأسباب في العصرين التاليين اشتغال المسلمين بالفتوحات والشؤون العامّة، وما جدّ من الاضطرابات