فتعاظم ذلك عند الأغنياء، وأذاعوا القبيح وارتابوا وشكّوا فيها، ووقعت الفتنة في قلوب المرتابين، حتّى قال قائلهم: يا روح الله وكلمته، إنّ المائدة بحقٍّ أنّها تنزل من عند ربّنا؟! فقال عيسى: ويلكم! هلكتم، العذاب نازل بكم، إلاّ أن يعفو الله ويرحمكم». فأوحى الله إلى عيسى: إنّي آخذهم بالشرط الذي اشترطت، إنّي معذّب منهم من كفر بعد نزولها بعذاب (لاَ أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ)[175] فقال عيسى: (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)[176]». وخبّرهم بنزول العذاب عليهم، فمسخ الله منهم ثلاثة وثلاثين رجلاً خنازير، وأصبحوا يأكلون العذرة في الحشوش ويتبعون الزبل في الطرق، وكانوا يأتون أوّل الليل على فراشهم مع نسائهم آمنين في دورهم في أحسن صورة وأوسع رزق، فأصبحوا خنازير، وأصبح الناس ـ من بقي ـ خائفين من عقوبة الله، وعيسى يبكي ويتضرّع، وأهلوهم يبكون معه عليهم، وجاءت الخنازير تسعى إلى عيسى حين أبصرته، فطفقوا وعيسى يدعوهم: يا فلان، ويا فلان، فيقول برأسه: نعم، فيقول: «ألم أنذركم عقوبة الله»؟ فيقولون برؤوسهم، أي نعم، «وأُحذّركم وأخوّفكم عذابه، وكأنّي كنت أنظر إليكم في غير صوركم». فذلك قوله تعالى: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ)[177]. وأنزل الله على نبيّه (صلى الله عليه وآله وسلم): (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاَتُ)[178]. ثمّ إنّ عيسى سأل ربّه أن يميتهم، فأماتهم بعد ثلاثة أيّام، فما رأى أحد من الناس لهم جيفة في الأرض; لأنّ العقوبة إذا نزلت من الله استأصلت، فنعوذ بالله من غضبه.[179]