قال: فقال شمعون ـ وهو رأس الحواريين ـ: يا روح الله وكلمته، أمن طعام الدنيا، أم من طعام الجنّة؟ فقال عيسى: «ما أخوفني عليكم أن تعاقبوا»! قال: فقال: لا وإله بني إسرائيل، ما أردت بما سألتك عنه سوءً، فقال عيسى: «نزلت ما عليها من السماء، وليس شيء منها من طعام الدنيا ولا من طعام الآخرة، وهي ممّا ابتدعه الله بالقدرة البالغة، فقال: كن، فكان». فقال: «كلوا ممّا سألتم، واذكروا اسم الله عليه، واحمدوا إلهكم، واشكروه يزدكم، فإنّه القادر على ما يشاء إذا شاء». فقال الحواريون: يا روح الله، كن أنت أوّل من يأكل منها، ثمّ نأكل منها، فقال عيسى: «معاذ الله، بل يأكل منها الذي سألها وطلبها». وفرق الحواريون أن يكون نزولها سخطة ومثلة، فلم يأكلوا منها! فدعا عيسى لها أهل الفاقة والزمانة من العميان والمجذّمين والمجانين والمخبّلين، وهذا الضرب من أنواع البلاء من الناس، فقال: «كلوا من رزق ربّكم ودعوة نبيّكم وآية من ربّكم، فليكن مهناها لكم وبلاؤها لغيركم». فأكلوا، فصدر عن تلك السمكة والطعام ألف وثلاثمائة من بين رجل وامرأة شباعاً يتجشّأون، من بين فقير جائع وزمن ناقه رغيب. ثمّ نظر عيسى إلى السفرة، فإذا كهيئتها حين نزلت من السماء لم ينقص منها شيء، ثمّ رفعت إلى السماء، وهم ينظرون إليها صاعدة، وينظرون إلى ظلّها حتّى توارت. فاستغنى كلّ فقير أكل منها حتّى مات، وبرأ كلّ مبتلى يومئذ، فلم يزل صحيحاً غنياً حتّى مات. قال: وندم الحواريون وندم سائر الناس ندامة شابت حواجبهم وأشفار أعينهم، فكانت إذا نزلت بعد ذلك أقبلوا إليها من كلّ مكان يسعون يزاحم بعضهم بعضاً، الأغنياء والفقراء، والرجال والنساء، والصغار والكبار، وكلّ صغير ضعيف ومريض، يركب بعضهم بعضاً حتّى جعلها عيسى نوائب فيما بينهم. ثمّ كانت تنزل غبّاً، تنزل يوماً ولا تنزل يوماً، كناقة ثمود ترعى يوماً وترد يوماً. فلبثوا بذلك أربعين صباحاً، فلا تزال موضوعة يؤكل منها، فإذا فاء الفيء ارتفعت صاعدة إلى السماء. ثمّ أوحى الله إلى عيسى: أن اجعل مائدتي ورزقي لليتامى والزمنى والفقراء دون الأغنياء.