وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)[173]، يعني: تكون لنا عظة، (وَآيَةً مِنْكَ) يقول: علامة بيننا وبينك، (وَارْزُقْنَا) عليها طعاماً نأكله، وارزقنا (وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) فنزلت سفرة حمراء بين غمامتين: غمامة من فوقها، وأُخرى من تحتها، تهوي منقضّة في الهواء، والناس ينظرون إليها، فأوحى الله تعالى: يا عيسى، هذه المائدة، فمن كفر بعد ذلك (فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لاَ أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ)[174] فبلّغ عيسى قومه، فقالوا: نعم. فقال الله: يا عيسى، إن كفروا أخذتهم بالشرط. ونزلت المائدة، وعيسى يبكي ويقول: «إلهي، اجعلها رحمة، ولا تجعلها عذاباً. كم أسألك من العجائب فتعطيني، إلهي أعوذ بك أن يكون نزولها عذاباً وغضباً ورجزاً، وأسألك أن تجعلها عافية وسلامة، ولا تجعلها مثلة ولا فتنة». فما زال يدعو ويتضرّع حتّى استقرّت بين يدي عيسى، والناس حوله يجدون ريح طيبها. لم يجدوا ريحاً قطّ أطيب منها. فخرّ عيسى ساجداً، وسجد الحواريون معه. وبلغ ذلك اليهود، فأقبلوا مغمومين مكروبين، فنظروا إلى أمر معجب، فإذا سفرة مغطاة بمنديل، فرفع عيسى رأسه واستوى قاعداً، فقال: «لينظر من كان خيرنا وأوثقنا بنفسه وأحسننا عملاً عند ربّه، فليكشف عن هذه الآية حتّى ننظر إليها ونأكل منها ونحمد الله عليها». فقال الحواريّون: أنت أولانا وأحقّنا، يا روح الله. فقام عيسى، فتوضّأ وضوءاً حسناً، وصلّى صلاة حسنة، ودعا دعاءً كثيراً، وبكى بكاءً طويلاً، ثمّ جلس عند السفرة، ثمّ قال: «بسم الله خير الرازقين»، وكشف المنديل، فإذا سمكة مشوية، وليس عليها فلوس، ولا فيها شوك، يسيل السمن منها سيلاناً، وقد نضّد حولها من ألوان البقول إلاّ الكرّاث، وخلّ عند رأسها، وملح عند ذنبها، وخمسة أرغفة، على كلّ رغيف زيتون وخمس رمانات وتميرات.