سليمان عن إمرة المدينة، وولاّها الحسن بن زيد، وقد بقي والياً على المدينة إلى أن عزله المنصور لوشاية فيه سنة ستّ وخمسين ومائة([104]). فإنّ الحسن كان قد اصطفى ابن أبي ذئب محمد بن عبد الرحمان بن المغيرة، وآواه وأكرمه، لكنّه لم يأمن فلتات لسانه، فإنّ ابن أبي ذئب ذهب إلى المنصور وأخبره بأنّ الحسن يطمع في الخلافة، ويعمل على عودها للعلويّين، فثارت ثائرة المنصور، وأمر بعزل الحسن وحبسه، وقد تسرّع ابن أبي ذئب في وشايته، إذ أنّه غلب على ظنّه طمع آل البيت في الخلافة، وما يعرفه أنّها حقّ لهم وهم أولى بها من غيرهم([105])، مع أنّ الحسن كان معروفاً بمظاهرته لبني العباس، ومناصرته لدولتهم، وكان أول من لبس السواد ـ شعار العباسيّين ـ من العلويّين([106]). وقد لبث الحسن في حبسه إلى أن ولي المهدي الخلافة، وكان يعرف منه علمه واعتداله، وزهادته وعبادته، فأمر بإخراجه من حبسه، وقرّبه منه واصطفاه([107]). وكان الحسن ذا حزم في ولايته، وعزم في إمرته، وشدّة في أخذ الناس بالحدود وحرمات الله، لا تأخذه رأفة في دين الله، ولا تقفه رحمة عن إقامة حدوده.