الفرع الكبير تسعمائة عالم وأستاذ من كبار تلامذة الإمام لغرض التدريس فيه([19]). واستمرّ هذا الامتداد في اتّساعه وحركته، يرعاه أئمة أهل البيت وعلماؤهم وأبناؤهم الأبرار، ولم يتوقّفوا في مدّه في كل حاضرة يسيرون إليها، وكلّ أرض تطأ أقدامهم الشريفة عليها. ولعلّ كتابنا هذا خير مصداق على ما نقول، حيث ينهض مؤلّفه لتبيان دور السيدة الجليلة الشريفة نفيسة آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في مصر، وما أدّته من دور المرجعية العلمية والثقافية والعقائدية في المجتمع المصري بجميع طبقاته، فقيرهم وغنيّهم، حاكمهم ومحكومهم، رجالهم ونساؤهم، بل وحتّى من غير المسلمين ممّن كان نازلا في تلك الديار، فحبّوها وكنّوا لها أكبر الاحترام والتجليل، وصاروا يتدافعون على بابها، وفيهم أئمة المذاهب، وأعلام الفقه والحديث والتصوّف، وفحول الكلام والأخلاق، وكبار الساسة والقادة العسكرييّن، يبتغون دعاءها والتمسّح ببركة وجودها بينهم، كما يحدّثنا الكتاب كثيراً من المواقف التي حصلت بينها وبينهم، وذلك لما اتّسمت به من أخلاق آبائها الرفيعة، وعلومهم ومعارفهم الإلهية المقدسة. شعبية متواصلة: إنّ شيوع المرجعية العلمية، والمركزية في الثقافة والهداية لأهل البيت (عليهم السلام)، وانتشار صيتهم في المحافل العامة والخاصة، يؤدّي بالطبع إلى تزايد شعبيتهم في الأوساط، وانقياد الأمة لهم، وتهافت العلماء والفقهاء والكتّاب والأدباء والشعراء إليهم، والتفاف عشّاق العلوم والمعارف والأدب الإسلامي حولهم، فارتفعت نتيجة لذلك مكانتهم، وسمت منزلتهم عند جميع المسلمين، لأنّهم عرفوا فيهم الوجاهة والقداسة والجلالة والعلم والإيمان والشجاعة والبيان، فاكتسبوا بذلك تفرّداً كاملا لحبّ الأمة وولائها الكبير. فلا غرو أن نسمع من الإمام الشافعي هيامه وحبّه، وإصراره على ذلك رغم احتجاج البعض له، وفوق هذا وذاك وهو الفقيه العالم، يقول: لو شقّ قلبي لبدا وسطه *** سطران قد خطّا بلا كاتب