العلوم والمعارف الإنسانية والتجريبية، وتتدافع عندهم الناس، فكثر تلاميذهم والراوون عنهم والآخذون منهم، حتّى صار هؤلاء التلاميذ فيما بعد بُناة الحضارة الإسلامية ورعاتها. وقد ازدادت حركة التوعية والتدريس والعطاء الفكري والثقافي التي التزمها علماء أهل البيت (عليهم السلام) نمواً واتساعاً بعد واقعة كربلاء عام 61 للهجرة، حينما تصدّى الإمام زين العابدين إلى توعية الأمة وتثقيفها، وصعّد من حركته ونشاطه في سبيل تأسيس مدرسة تنشر النور والمعارف الإسلامية التي كادت تُدرس، ومواصلة تعليم الناس أصول الإسلام وسقايتهم لقيمه ومبادئه الكريمة، فخرّج علماء مبرزين قد شدّوا رحالهم إليه من شتّى بقاع العالم الإسلامي المختلفة، أمثال: أبان بن تغلب الكوفي، وإسحاق بن عبدالله المدني، وإسرائيل بن غياث المكي، وإسحاق بن الفضل الشامي، وأيوب بن بكر الموصلي، وأيوب بن تميمة البصري، وبشر بن عقبة المدائني، وجعفر بن محمد الحضرمي، والحسن بن السري الكرخي البغدادي، وداود بن أبي هند السرخسي، وعمرو بن خالد الواسطي، ويحيى بن أبي العلاء الرازي، وغيرهم. ثمّ جاء من بعده ولديه محمد الباقر (عليه السلام)، وجعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) فأوسعا من طاقة المدرسة السجّادية لتصبح جامعة كبيرة تقوم على أسس معيّنة وأقسام مختلفة منظّمة، فكان هذا عاملا مساعداً على التحاق أعداد غفيرة أُخرى إليها من رواد العلم والمعرفة، على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم وانتماءاتهم القومية والعقائدية، حتّى بلغ عددهم إلى أربعة آلاف شخص ! منهم من أصبح فيما بعد من كبار العلماء والفقهاء والمحدّثين والمتكلّمين، بل صار منهم أئمة للمذاهب الفقهية. يقول ابن حجر: «جعفر الصادق نقل عنه الناس من العلوم ما سارت به الركبان، وانتشر صيته في جميع البلدان، وروى عنه الأئمة الأكابر، كيحيى بن سعيد، وابن جريج، ومالك بن أنس، والسفيانيين، وأبي حنيفة، وشعبة، وأيوب السجستاني»([18]). وبسبب هذا التوسّع، وازدياد عدد المتعلّمين، وشدّة رغبة الناس في التوجّه إليها، فقد فتحت الجامعة في كثير من الأقاليم فروعاً لها، ولعلّ أعظمها في الكوفة، حيث التحق بهذا