2 ـ العقائدية: لقد كانت أعمال وتصرّفات هذه السيدة الجليلة تنطلق من دوافع أخلاقية وعقائدية دينية بحتة، تهدف من ورائهما إصلاح شؤون الناس وقضاء حوائجهم على أساس مبدأ عقائدي متين، متجذّر في الأعماق فكرةً وانطلاقاً وهدفاً، يقوم على أساس إرضاء الله تعالى وحده، واستجلاب ثوابه، ولم يكن سطحياً مرتجلا، ولا خاوياً ولا مرائياً. فأهل البيت لم يقوموا بعمل لأحد، أو يقضوا حاجته إلاّ بعد أن يترجموا نظرتهم تجاه هذا العمل، ويدفعوا الإنسان المقابل إلى التأمّل في أعماقه وفيه، فيحرّكوا ـ بذلك ـ فيه طاقة حركية فعّالة لها الاستطاعة على الإبداع والحركة والانطلاق إلى الإمام. وهذا ما نشاهده كثيراً إذا ما طالعنا سيرة أيّ أحد منهم، إنّهم يتبعون أجوبتهم العملية وقضاء حاجات الناس على اختلافها وأشكالها، بإشعاع من الكلام الحكيم يطيب بها نفس الإنسان المقابل مهما بلغ به الأمر من القسوة أو الجهل. وإنّهم إذا ما واجهوا معارضةً، وسلوكاً منافياً من جهات قد تمتلك القوة والسلطان، تراهم يقومون بالاحتجاج عليهم استناداً للمبرّرات التي تمنحهم الحقّ في الاعتراض والمحاجة، وتعينهم الظروف على ذلك، وإلاّ فإنّهم يلوذون بالصمت والصبر. يحدّثنا هذا الكتاب من خلال فصوله ـ كما سنرى ـ موقف هذه السيدة العلوية تجاه حاكم ظالم، ضجّ أهل مصر منه إليها، واستغاثوا بها عليه، يرجونها أن تكلّمه وتنصحه، ويكفّ أيديه عنهم، فبادرت إلى ذلك بكل شجاعة، لكنّها حافظت في الوقت نفسه على شيئين اثنين: الأول: أدب الاعتراض القائم على الحوار الهادئ والنقاش العلمي الموضوعي، من دون أن تتخلّله حسّاسية مفرطة وعواطف شخصية جيّاشة، ولم يتعدّ إلى غيره من الوسائل التي تحمل طابع الخشونة والشراسة. فلم يستخدم أهل البيت (عليهم السلام) لأجل تحصيل ثمرة مخالفتهم ومعارضتهم الأساليب الملتوية والماكرة في تأليب الأوضاع، وإيجاد التشنّجات في مجتمع المسلمين الذي قد تراق فيه دماء بريئة، رغم تلقّيهم عروضاً كثيرة تبنّتها بعض أطراف المعارضة الأُخرى لقيادة قوة المعارضة المسلّحة، وتوجيه الغضب الشعبي ضد القيادة الحاكمة، رفضوا كل ذلك تمسّكاً بأخلاقهم ومبادئهم. والثاني: المصلحة الإسلامية العليا التي فرضت على أئمة هذا البيت الكريم أن