النفسية المتمثّلة بالوطنية والقومية والقطرية. ومن هنا فقد ترجم أئمة وعلماء أهل البيت (عليهم السلام) وأبناؤهم هذه المفاهيم والقيم والأخلاق الرسالية العالية في سلوكياتهم ومناهجهم وسيرهم، وطووها في ممارساتهم اليومية وعلاقاتهم مع الآخرين، وجسّدوها في أقوالهم وأفعالهم واقعاً حيّاً وملموساً، عرفه الكبير والصغير، العدوّ والصديق. ففي هذا الكتاب نقرأ أنّ السيدة نفيسة الدارين تنطلق من مدينة جدّها وأبيها، وفي ظلّ ظروف خاصة لتهاجر إلى أرض بعيدة عن منازل أهلها وعشيرتها، وتقطع مسافة طويلة تتخلّلها صحاري قفار إلى أرض مصر، بعد أن تزور قبر جدّها نبي الله إبراهيم الخليل (عليه السلام)، متجاوزة كلّ العقبات الجغرافية، والموانع النفسية، لتحطّ رحالها على أرض النيل، ليس إلاّ لشيئين: الأول: هروبها من واقع مأساوي خاصّ كان يلحق بها ضغوطاً نفسية وغير نفسية. الثاني: لنشر العلم والمعارف المحمدية الأصلية في ربوع يمكن أن تعدّ بعيدة عن مدينة جدّها الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيتها وعشيرتها. وقد تكلّل سعيها بالنجاح الباهر، لما سلكت من سلوك تربوية وأخلاقية هادفة، وانتهجت منهجاً علوياً كريماً، يحكي قيماً وأخلاقاً ومواقف كريمة، مستهدفةً بناء الهيكل الاجتماعي الرصين، وبثّ روح العبادة والإيمان في نفوس سكان هذه البلاد، ونفي كل الشوائب والعقبات التي تحطّم ـ أو تكاد ـ معنويات الناس، وتتخم الوجود بالفراغ والانحطاط. ولم يكن عملها ليتكلّل بالنجاح لولا توافر عناصر أصلية فيها، أهمّها: 1 ـ الإخلاص: فقد كان إخلاص هذه السيدة للخطّ الإنساني جميعاً، أي أهدافها كانت منشودة إلى الهدف الإنساني الكبير، ولم يقتصر على المسلمين فحسب، بل تعدّى إلى باقي أتباع الديانات الأُخر. فتقديمها المعونة لأفراد المجتمع، وتلبيتها لطلبات بعض الناس، من اليهود وغيرهم، إنّما هي نماذج عملية أصيلة تصبّ في هذا الاتجاه. ذلك لأنّ الإخلاص هو روح كل عملية وسلوك كان يقوم به أبناء وأحفاد هذا البيت الكريم، ولم يتجرّدا منه لحظة، لأنّهم يعلمون علماً يقيناً أنّه لو تجرّدا منه فهما ميّتان، ينخر منهما العداء للإنسانية نفسها وإن بدا منهما عطاء وافر !