لا يسلكوا سلوكاً يؤثّر على مسير الدولة الفتية، وينقص من مكانتها وهيبتها بين الناس وهي في بداية حياتها الجديد. لقد جسّدوا فعلا بصورة عملية، هذه الأخلاق الرفيعة في سيرة حسنة، بعد ما تركوا جميع الخيارات الأُخرى، ولم يلتزموا موقفاً تجاه هذا الحدث أو ذاك من شأنه أن يمزّق وحدة المسلمين وإضعاف الدولة الفتية، ولم يسلكوا طريقاً يعرّض فيه الدين والملّة إلى خطر ولو يسيراً. وهم بذلك يثبتون الخطوات الأولى للحركة التقريبية الوحدوية في الإسلام. مواقف خالدة: إنّ المواقف التي سجّلها لهم التاريخ بمجموعها تدلّ على أخلاق أهل البيت (عليهم السلام) وتجرّدهم الكامل عن الذات، وذوبانهم التام في المصلحة الإسلامية، وهذا النهج لا يمكن أن يلتزمه إلاّ من هو على امتداد حركة النبوة وفي خطّها ومسيرها. فالتاريخ يروي لنا مواقف عديدة اتّخذها الأنبياء لمّا وُجهوا بالمعارضة من الكافرين وأبناء قومهم، وكان بإمكانهم القيام بالمقاومة المسلّحة واتخاذ طريق القوّة، إلاّ أنّ ذلك كان خلاف المصلحة القاضية بحفظ الدين ووجوب استمراره، وأخرى عُرِضت لهم كنوز الأرض وأموالها على ترك الدعوة لهذا الدين، فرفضوا العرض من أساسه، وصبروا على الأذى والحرمان حتّى تمّ انتصار الدين في الأرض. وظلّ هذا الامتداد الإلهي مستمراً، ولم ينقطع في جريانه باتجاه الإمام عبر الأزمان والإعصار، من خلال حركة أهل بيت محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) آخر الأنبياء وخاتم المرسلين. فمن علىّ (عليه السلام) إلى ابنه الحسن الزكي (عليه السلام) الذي تنازل عن كلّ ما معه من الملك والسلطان والعزّ والخلافة، لا شيء إلاّ ليحافظ على وجود الرسالة واستمرارها على الأرض، ويمنع من سفك المزيد من الدماء فتذهب الثلّة المؤمنة عن وجه البسيطة، فينعدم بذلك الخير والأمان والنسل الخيّر، فآثر الصلح لأنّه ينسجم مع توجّهات المصلحة الإسلامية والامتداد في الحركة النبوية المقدّسة، وهو ما يصرّح به (عليه السلام) إذ يقول: «إنّي خشيت أن يجتثّ المسلمون عن وجه الأرض، فأردت أن يكون للدين ناع...». وهكذا استمرّت الحركة في مسيرها في أخيه الحسين بن علي (عليه السلام) الذي قدّم نفسه