وكان(رحمه الله) موفور العلم، غزير المادة، وكانت حافظته القوية خزانة لشتّى المعارف التي كانت سائدة في عصره، إلى زلاقة في اللسان، وعذوبة في البيان، وقوّة في المنطق والبرهان. وكان يلذّ له أن يناظر العلماء ; لثقته في نفسه، وإيقانه بالغلبة والنصر، ولعلمه أنّ المناظرات محكّ العلم، ومختبر الصحيح والسقيم به. ووفد الإمام إلى مصر، وتمّ التعارف بينه وبين السيّدة نفيسة رضي الله عنها، وتوثّقت بينهما الصلات، وقد ربط بينهما نزوع إلى خدمة العقيدة الإسلامية، وحرص على رفع منارها، كلٌّ بطريقته وأُسلوبه، وإنّه لهدف مشترك لمثله تتقارب القلوب الصافية، وتتلاقى الجهود المتفرّقة المخلصة، وكانت دار السيّدة كريمة الدارين بمثابة الجزيرة المطمئنّة، القائمة وسط بحر صاخب متلاطم الأمواج. وقد اعتاد أن يزورها وهو في طريقه إلى حلقات درسه في مسجد الفسطاط، وفي طريق عودته إلى داره، وفي غير ذلك من الأوقات، وكان يصلّي بها التراويح في مسجدها في شهر رمضان الكريم، وكان من عادته إذا ذهب لزيارتها صحبه بعض أصحابه. ومع جلال قدر الإمام الشافعي وعلوّ درجته، فإنّه كان إذا ذهب إليها سألها الدعاء ملتمساً بركاتها، وقد سمع عليها حديث جدّها المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم)، وإذا أصابه مرض جعله يتخلّف عن زيارتها أرسل إليها رسولا من تلاميذه ; كالربيع الجيزي أوغيره، فيقرئها سلامه ويقول لها: إنّ ابن عمّك الشافعي مريض ويسألك الدعاء، فترفع بطرفها إلى السماء وتدعو له، فلا يرجع رسوله إلاّ وقد عوفي الإمام من مرضه وأبل من شكاته. ولمّا مرض مرضه الذي مات فيه أرسل لها على جاري عادته يلتمس منها الدعاء، فقالت للقاصد: متّعه الله بالنظر إلى وجهه الكريم، وسأله الإمام الشافعي: ماذا قالت له السيّدة