للشافعي ظلّ فوق مشاكل الساعة. وحدثت حروب داخلية وخلافات كثيرة، والشافعي لا يتدخّل في السياسة، وحلقته تضمّ جوانبها أحياناً على مناقدات الشعراء والفقهاء، فلم نسمع أنّه تطرّق إلى خلافات الحكّام، أو مسّ ولو بالرأي الحرب التي تدور رحاها قيد خطوات من الجامع العتيق ! والوالي يكرمه ويعظّمه، ويستمع إلى موعظته: «أنظر من يكون صاحبك فإنّه يحبّك أو يبغضك، وانظر من يكون كاتبك فإنّه يعبرّ عن عقلك الظاهر إلى الناس، وعفّ عن أموال الناس يكثر شكرهم لك، وإيّاك والانبساط إلى رعيّتك فتذهب بذلك هيبتك». ولمّا هبط الإمام الشافعي أرض مصر ومعه تلميذه أبو بكر الحميدي([458])، وسأله بعض الأكابر أن ينزل عنده، فقال: أُريد أن أنزل عند أخوالي من الأزد ـ قبيلة أُمّه ـ فذلك درس في الوفاء تعلّمه على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما هاجر إلى المدينة فنزل عند أخواله بني النجّار. وقصد الشافعي بعد ذلك دار عبدالله بن الحكم، وربّما توشّجت بينه وبين ضيفه الصلات في إبّان دراسات عبدالله على مالك وسفيان. وقد قال له عبدالله: إذا أردت أن تسكن مصر فليكن لك قوت سنة ومجلس من السلطان تتعزّز به !! قال: يا أبا محمد، من لم تعزّه الدنيا فلا عزّ له، وقد ولدت بغزّة، وربيت بالحجاز، وما عندنا قوت ليلة، وما بتنا جياعاً قط. عنيت بهذه المقدّمة عن الإمام الشافعي، لأنّ كلّ زملائه ومريديه والذين رووا عنه هم في الحقيقة من الذين كانوا يكثرون من زيارة السيّدة نفيسة رضي الله عنها، ويلتمسون منها البركة، وحين اتّجه الإمام إلى مصر أنشد يقول: لقد أصبحت نفسي تتوق إلى مصر *** ومن دونها قَطْعُ المهامهِ والقفر ووالله ما أدري إلى الفوز والغنى *** أُساقُ إليها أم أُساقُ إلى قبري([459])