وفي سنة 195 هـ ولي مصر جابر بن الأشعث الطائي([457])، فلمّا خلع الأمين أخاه المأمون شغب عليه الأمراء والولاة، وافترص السري بن الحكم الفرصة ليبحث لنفسه عن مكان، فظهر أمره، وظلّ منذ قدوم الشافعي حتّى وفاته مركز الأحداث بمصر. ولمّا عيّن المأمون والياً جديداً صار السري من قوّاده، ثم عزل المأمون الوالي سنة 198 هـ وولّى معه محمد بن موسى، فقدم ابنه عبدالله نائباً عنه سنة 199 هـ، وكان معه محمد بن إدريس الشافعي، وتشغّب الجند على عبدالله، فقطع أرزاقهم، فأعادوا الوالي المعزول، ومات العباس بن موسى مسموماً. وثار الجروي في «تنيس»، وعبّأ جنده في مراكب حتّى نزل بـ «شطنوف»، فسيّر إليه الوالي جيشاً على رأسه السري، فأُسر السري في سنة 199 هـ، ثم أطلق الجروي سراحه ليحارب معه ضدّ الوالي، فانتصرا، وخرج الوالي في البحر الأحمر إلى مكّة سنة 200 هـ، وولي الجند السري بن الحكم على مصر، فسار الجروي إلى الاسكندرية واستولى عليها، فبقيت معه الاسكندرية وتنيس، فأمسى شبه مستقلّ بمنطقة تدعى مملكة الساحل، وكان السري والياً مسيطراً في الداخل، شبه مستقلّ بالبلاد عن بغداد هو الآخر. وفي سنة 200 هـ احتلّ الاسكندرية خمسة عشر ألفاً من أهل قرطبة، يقال لهم: الربضيون، طُرِدوا من الأندلس لثورة قاموا بها، فسار إليهم الجروي في خمسين ألفاً، وخالفه السري إلى حاضرته «تنيس»، فأنكفأ الجروي راجعاً من الاسكندرية، وفتحت الاسكندرية أبو ابها لجند السري في سنة 201 هـ... وعزله المأمون بوال جديد هزم السري وقبض عليه، ونفاه إلى «أخميم»، وآثر الوالي الجديد بطانته على الخراسانيّين، فثاروا عليه، فهرب، وجاء كتاب المأمون لتولية السري، فأُخرج من الحبس ليعود والياً في الفسطاط سنة 201 هـ. وخطب السري ودّ المصريّين، وكان يقدّم الشافعي ولا يؤثر أحداً عليه، حتّى إذا ثبّت أقدامه أدار وجهه لأعدائه، فأعمل فيهم القتل والصلب والنفي من البلاد ! ولكن إعظامه