ومن قبله كتب الجاحظ العلاّمة المعروف يقول في هذا السياق: «جعفر بن محمد الذي ملأ الدنيا علمه وفقهه، ويقال: إنّ أبا حنيفة من تلامذته، وكذلك سفيان الثوري، وحسبك بهما في هذا الباب»([14]). وقول الطبيب الشهير بختيشوع في الإمام الحسن بن علي العسكري: «هو أعلم في يومنا هذا بمن هو تحت السماء»([15]). خلاّقية ممتدة: ثم إنّ حركة أهل البيت التربوية والأخلاقية قد امتدّت إلى جميع جوانب الإنسان ومجتمعه، لتمسّ حياته الفكرية والثقافية والاجتماعية والروحية، وحاجات مجتمعه وبيئته التي تحيط به. فلم يبخلوا برأي قدّموه في سبيل حلّ مشكلات الإنسان المسلم المادية والروحية، ولم يمنعوا معونة لخدمة مسيرة الدولة وهي تجتاز الموانع والصعوبات المعترضة أمامها على طول مراحل بنائها التاريخية، وإرساء دعائمها، وتثبيت أركانها على كافة الأصعدة الداخلية والخارجية، وتقوية شوكتها أمام الهجمات المتعدّدة التي يشنّها الأعداء والمخالفون. ذلك لأنّ إحدى وظائف أهل البيت الكبرى هي حماية الإسلام والدفاع عنه ولو اقتضى التضحية بالغالي والنفيس، ولمّا كانت المصلحة الإسلامية تقتضي حماية الدولة الإسلامية الفتية التي هي بمثابة الحاضن الأساسي والرئيسي لرسالة الإسلام على الأرض، فكان الواجب يقتضي توفير الحماية للدولة من دون النظر إلى الحاكم وشخص الخليفة. وعلى هذا الأساس كانت سيرتهم (عليهم السلام) تتمثّل في السعي الدؤوب في إيجاد كلّ ما يساهم في إنشاء الوضع الأفضل للإسلام والمسلمين في جميع أطراف الأرض المعمورة، ليكون الإسلام هو الحاكم على أفكار وعواطف وأخلاق وسلوكيات البشرية جمعاء، وعلى كافة الأصعدة الفكرية والثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والتعليمية، وليس تختصّ في مجال الفقه والكلام فحسب، وتكون المصلحة أيضاً هي المحور الذي ينبغي أن تدور حوله حركة المسلمين والأمم الأُخرى، بعيداً عن العقبات التاريخية والجغرافية، والموانع