أمير المؤمنين علي (عليه السلام): «علي بن أبي طالب من أهل بيت لا يقاس بهم أحد»([10]). ولعلّ هذا ما دعا بالشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي أن يقول نظماً: فلا تعدل بأهل البيت خلقاً *** فأهل البيت هم أهل السيادة فبغضهم من الإنسان خسر *** حقيقي وحبّهم عبادة([11]) إنّ العمق في التفكير، والموضوعية في السلوك، والأصالة في الثقافة، والاستقامة في التشخيص والبناء، كلّ ذلك جعلت أهل البيت يمتلكون الدليل تلو الدليل على الإمامة والمرجعية العلمية للإنسانية التائهة، ثم الحنكة الإدارية والتربوية التي من خلالها استطاعوا أن ينزلوا واقع التشريع الإسلامي وقيمه الأخلاقية إلى حيّز التطبيق، واستيعاب المشاكل التي تعترض ذلك ومعالجتها العلاج الإسلامي المناسب رغم اختلاف المناخات المكانية والزمانية. فكوّنوا من خلال ذلك أشبه بمدرسة عظيمة وفخمة، تضمّ كوادر علمية متمرّسة، وخرّجت وجوهاً لامعة في حقول مختلفة من الحياة: الفقه والسياسة والكلام والأخلاق والفلسفة و... باقي العلوم الإنسانية والتجريبية، فكان لها الدور البالغ في تطوير العلوم والعمران، وارتفاع المستوى الحضاري للبلاد. كتب المستشرق دوايت في كتابه الموسوم بـ "عقيدة الشيعة" يقول: «لقد ساهم عدد من تلامذة الصادق مساهمة عظمى في تقدّم علمي الفقه والكلام، وصار اثنان منهم وهما: أبو حنيفة ومالك بن أنس فيما بعد من أصحاب المذاهب الفقهية، وكان واصل بن عطاء رئيس المعتزلة، وجابر بن حيّان الكيميائي الشهير من تلامذته أيضاً»([12]). وكان ابن حجر يقول: «جعفر بن محمد، نقل عنه الناس من العلوم ما سارت به الركبان، وانتشر صيته في جميع البلدان، وروى عنه الأئمة الأكابر كيحيى بن سعيد، وابن جريج، ومالك، والسفيانين، وأبي حنيفة، وشعبة، وأيوب السجستاني»([13]).