حرم جدّها المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم)، فاشتدّ ذلك على أهل مصر، وشقّ عليهم أن تفارقهم وقد لمسوا نفحاتها، وعرفوا هداها وتقواها، وما أفاضه الله تعالى عليها من فيوضات، وما يحيطه بها من تجلّيات ومشاهدات، فالتمسوا منها العدول عن عزمها، ورجوها البقاء بين ظهرانيهم، فأبت عليهم طلبهم، وصارحتهم بأنّها تريد انفرادها لعبادة ربّها، ولا يشغلها منهم شاغل، ولمّا رأوا منها إصراراً على مغادرة الديار، ولّوا وجوههم نحو والي مصر السري بن الحكم بن يوسف([371]). وكان آل السري يُكبرون السيدة نفيسة ويعظّمونها، ويكثرون من زيارتها وتعهّدها، ويعرضون عليها خدمتهم إيّاها، وما أن ذهبت جمهرة من محبيّها إلى السري يخبرونه بعزمها، ويسألونه أن يتوسّل إليها في العدول عن عزمها، فانتقل السري إليها يستعطفها ويرجو بقاءها بمصر، فقالت: إنّي كنت قد اعتزمت المقام عندكم، غير أنّي امرأة ضعيفة، وقد تكاثر الناس حولي، وأكثروا من زيارتي، فشغلوني عن أورادي، وجمع زادي لمعادي، غير أنّ منزلي هذا يضيق بهذا الجمع الكثيف والعدد الكثير، وقد زاد حنيني إلى روضة جدّي المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال لها السري: يا ابنة رسول الله، إنّي كفيل بإزالة ما تشكين منه، وسأُمهّد لك السبيل، وأُهيّئ لك ما فيه راحتك ورضاك، أمّا ضيق المنزل فإنّ لي داراً واسعة بدرب السباع، وإنّي أُشهد الله تعالى أنّي قد وهبتها لك، وأسألك أن تقبليها منّي، ولا تخجليني بردّها علىّ، فقالت بعد سكوت طويل: إنّي قد قبلتها منك، ثم قالت: يا سري، كيف أصنع بهذه الجموع الكثيرة، والوفود الغفيرة ؟ فقال: تتّفقين معهم على أن يكون للزوّار في كلّ جمعة يومان، وباقي الأسبوع تتفرّغين لعبادتك وخدمة مولاك، فاجعلي يومي السبت والأربعاء للناس، فقبلت منه