شديداً، وقالت: لا ريب في أنّ دين تلك السيدة الشريفة هو الدين الصحيح، ودخلت على السيدة في خشوع وخضوع، وإجلال واحترام، ووقفت بين يديها تحيّيها، ثم نطقت بالشهادتين، وأخلصت لله ربّ العالمين، وشكرت للسيّدة صنيعها وجميلها، وحمدت الله عزّوجلّ على أن أخرجها من الظلمات إلى النور، وأنقذها من الضلال إلى الهدى([369]). ولمّا حضر والد البنت، وكان من كبار قومه وسراة عشيرته، ورأى وحيدته وقد تعافت، فصحّ جسمها، واستقام عودها، وذهبت شكاتها، فأخذته الأريحية واستطاره الفرح، فأخذ يصفّق ويرقص، ولم يلبث أن نبّأته أُمّها بخبرها، وما أحاطها من بركة السيدة الشريفة جارتهم، فما أن انتهت زوجه من إخباره حتّى رفع بصر ومدّ يده إلى السماء، وقال: سبحانك ربّنا، تهدي من تشاء وتضلّ من تشاء، اللّهمّ إنّي أُشهدك أنّ هذا الدين هو الدين الصحيح، والدين عند الله الإسلام، وأنّه لا دين غير الإسلام. ثم توجّه من فوره إلى دار السيّدة نفيسة واستأذنها في الدخول، فأذنت له، فكلّمها وهي من وراء حجاب، وبعد أن حيّاها وشكر لها صنيعها قال: سيّدتي ارحميني وتشفّعي لي، واشفعي في مَن هو في ضلال الكفر قد تاه، ومن الدين الحقّ أبعده الكفر وأقصاه، فرفعت السيّدة نفيسة طرفها إلى السماء، ودعت الله عزّوجلّ له بالهداية، فما أن انتهت من دعائها حّتى نطق أبو السرايا بالشهادتين، وسرى الخبر في تلك الجهة، فأسلم أهلها، وكانوا أكثر من سبعين بيتاً من اليهود([370]). ثم استأذن أبو السرايا من السيّدة نفيسة أن تنتقل إلى دار له بدرب الكرويين المعروف الآن بالحسينية، وهذه الدار باقية للآن، وكذلك الحجرة التي كانت تتعبدّ فيها باقية، وهي محلّ إجلال وإكبار، ولا يدخلها إلاّ من عهد إليه بنظافتها. وسأعود بعد قليل إلى الكلام عن كرامات السيّدة الصالحة، على أنّه ما كادت تذاع تلك الكرامة حتّى هرع إليها القوم من جميع الجهات يلتمسون بركاتها ودعواتها، فتكاثرت الجموع على بابها، وضاقت بهم الدار بما رحبت، ففكّرت مليّاً في مغادرة مصر حيث تعود ثانياً إلى مدينة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، لتقضي بقية عمرها في هدوئها وعبادتها ومناجاة بارئها، وتلتزم