مسرورةً، تفديها بنفسها، وتسارع إلى تلبية ندائها وقضاء حاجتها([359]). وهؤلاء جيرانها وقد عرفوا برّها وعطفها، فكانوا يودّونها ويثقون بها، حتّى أُولئك الذين كانوا يخالفونها في دينها، فهذه جارتها اليهودية لم تأمن على وحيدتها إلاّ الشريفة السيدة نفيسة، بالرغم من وجود جمهرة من اليهود أبناء شيعتها يجاورونها، غير أنّها لم تر فيهم أحداً موضع ثقتها، فتودع عنده فلذّة كبدها إلى أن تعود من حمّامها، فلم تجد غير تلك الأمينة العطوفة، فتركتها عندها، فنالت من بركتها ممّا سيأتي في حينه. فالبرّ والعطف آيتان محبّبتان، بهما تُملك القلوب وتُؤسر الأفئدة، إلى ما رأيناه من إقبال الناس عليها، فوق ما لمسوه من بركاتها، وما عرفوه من نفحاتها. من بلد الرسول إلى القاهرة: ولدت السيّدة نفيسة بمكّة، ثم انتقلت إلى المدينة بصحبة أبيها، ولبثت بالمدينة إلى أن رُوِّعت بحبس المنصور لأبيها من سنة 156 هـ إلى سنة 159 هـ حين أخرجه المهدي من حبسه وردّ عليه ماله([360]). واستمرّت في المدينة، وعاشت في ظلّ أبيها قريرةً مسرورة، إلى أن تزوّجها إسحاق المؤتمن وبنى عليها في بيت أبيه بالمدينة([361])، فعاشت ردحاً من الزمن، فكانت تتشوّق لزيارة قبر أبيها الخليل إبراهيم (عليه السلام). ثم زارت بغوطة دمشق: مقام السيّدة زينب بنت أُم كلثوم بنت علي بن أبي طالب رضي الله عنهم([362])، ثم زارت قبر عمّتها فاطمة بنت الحسن بن علي رضي الله عنهم، إذ أنّها مدفونة بمغارة، وعند قبرها رخامة مكتوب عليها: أسكنت من كان في الأحشاء مسكنه *** بالرغم منّي بين التراب والحجر