أخلاقها: كانت رضي الله عنها وأرضاها، كريمة الخليقة، شريفة الطبع، غرّاء المكرمات، زهراء المأثرات. فقد صاغها الله من معدن كريم، وأنبتها نباتاً حسناً، فجمعت خلال الفتوة والمروءة، فكانت معطاءة فيّاحة، فيّاضة نفّاحة، جمّة المبرات، كثيرة الصلات، وهي مع هذا زاهدة متقشّفة. أمّا ما برأها الله عليه من عزّة نفس وحمى أنف، تربأ بنفسها عن مواطن الذلّ والابتذال، وتتصاون عن الامتهان والهوان، وهي مع هذا لا يذهب بنفسها زهو وكبرياء، ولا يخالطها تيه وعجب، بل كانت متواضعة النفس متطامنة الجانب. سلاسة طبع وسجاحة خُلق، وبالإجمال: فأخلاقها مقتبسة من أخلاق جدّها المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم)، وإنّه لعلى خُلق عظيم. وكانت المثل الأعلى في الوفاء لزوجها على وجه الخصوص، وعرفان حقوقه، والقيام بواجباته، وقد ساهمته الإخلاص والودّ، وقد عرف فيها هذا الخُلق النبيل، فكان مثال الطاعة لها فيما تسلكه وتنحيه، فما خالف لها أمراً، ولا وقف لها في سبيل رغبةً، بل كان يهيّئ لها ما تبتغيه، ويسهّل لها ما تريده، ولم يبخل عليها بشيء من ماله. وكانت عطوفة على أُسرتها، فها هي تلك بنت أخيها زينب، وقد لمست في عمّتها العطف، فتمادت في خدماتها، ونسيت نفسها في سبيل عمّتها، فلازمتها وأصبحت كظلّها، وعافت الزواج لتنفرد بخدمتها، وتسهر على راحتها، وتقضي لها حاجتها، وما رحلة عمّتها نفيسة بنت زيد إلى مصر إلاّ شوقاً لبنت أخيها. وكان برّها لخادمتها «جوهرة» ومعاملتها لها أحسن معاملة، فاشربّ في قلبها حبّها والإخلاص لها، إلى ما عُرف عنها من إيثار ذويها وبرّهم ممّا جعلها تملك قلوبهم. وكانت كثيرة الخير والبرّ، تواسي البائسين، وتسعف الملهوفين، وتفرّج كرب المكروبين، وكان لها مال كثير إلى مال زوجها، تحسن من كلّ أُولئك إلى المرضى والمحتاجين والناس عامةً، فما كانت تردّ سائلا ولا تمنع مستجدياً، وكانت تتعرّف من به حاجة فتقضي حاجته، سخيّة لكلّ من يتصل بها، نديّة لكلّ من يلوذ بها ويحوم حول رحابها. وهب لها أحد الأُمراء مائة ألف درهم وقال: خذي هذا المال شكراً لله تعالى لتوبتي، فأخذته وصرّته صرراً بين يديها، وفرّقت الصرر عن آخرها، وكان عندها بعض النساء،