كانت الآخرة وكان الموت نصب عينيها، والدليل على ذلك حفرها قبرها بيدها، وقضاؤها شطراً من وقتها كلّ يوم تستلهم منه العظات، وتستوحي الصالحات. وهي بعد ذلك زوجة مخلصة، لم يشغلها أيّ أمر عن مسؤوليتها كزوجة، وحتّى يفاخر بها المؤتمن الدنيا، ويذكر للناس من حوله أنّه قد وجد فيها نعمة الله عليه، فلم تقصّر في حقّ له أبداً، ولم يشغلها أي أمر عن حقوقه وواجباته. وهي أُم ترعى الله في زوجها وولدها، تغدق بالحنان ولديها أبا القاسم وأُمّ كلثوم، ترعاهما وتؤدّبهما حتّى يصيرا نموذجاً صالحاً بشرف الانتساب إلى بيت النبوّة. وهي ربّة بيت تشرف عليه. وهي مُحبّة للعلم والمعرفة حبّاً جعلها بحقّ نفيسة العلم. وتجتمع بذوي الحاجات من الناس وتستمع إليهم، ولهذا شاهد مسكنها في المدينة وفود الزوّار من كلّ بلد إسلامي، خصوصاً من القادمين في مواسم الحجّ والراغبين في العلم، وقد كان أكثر هؤلاء الوفود وأشدّهم حرصاً على لقائها من مصر. وضاقت دارها بالزائرين كما حدث لها تماماً في مصر، عندما طلبت الرحيل إلى الحجاز عند أهلها بسبب ازدحام منزلها بالقاصدين إليها، كما سيأتي تفصيل ذلك فيما بعد. فزهد السيدة نفيسة كان إيجابيّاً نافعاً، كما كان زهد الرسول إيجابيّاً، مثاليّاً في إيجابيته. ويقول الإمام أحمد بن حنبل: الزهد على ثلاثة أوجه: (1) ترك الحرام، وهو زهد العوام. (2) ترك الفضول من الحلال، وهو زهد الخواصّ. (3) وترك ما يشغل العبد عن الله، وهو زهد العارفين([355]). وهو زهد السيّدة كريمة أهل الدارين، شعارها: الله أولا، والمجتمع ثانياً، لله صلاتها ونسكها، ولله محياها، ولله مماتها.