وتقول السيدة كريمة الدارين: ولمّا كانت قراءتي في تدبّر وتفكّر، وخشوع وخضوع، أحسست حينئذ إحساساً يقرب من المادية أنّ الخليل أمامي، وحينئذ خفق قلبي وخشع بصري، وقلت: «يا جدّي الأكبر، جئت إليك بجسدي وروحي، وقد جاءت روحي من قبلي، فهل أحظى برضاك وصالح دعاك، وتوجيهاتك الشريفة لي، حتّى أتعبّد لآخر لحظة في حياتي ؟ وحينئذ سمعت صوتاً مجلجلا يقول: يا ابنتي يا نفيسة، أبشري فإنّك من الصالحات القانتات، وإنّك بإذن الله موفّقة، إلاّ أنّني أوصيك بأن تقرئي سورة المزّمل حيث يقول الله سبحانه وتعالى:(يأيّها المزّمل قم الليل إلاّ قليلا نصفه أوانقص منه قليلا أوزد عليه ورتّل القرآن ترتيلا إنّا سنلقي عليك قولا ثقيلا إنّ ناشئة الليل هي أشدّ وطئاً وأقوم قيلا إنّ لك في النهار سبحاً طويلا واذكر اسم ربّك وتبتّل إليه تبتيلا ربّ المشرق والمغرب لا إله إلاّ هو فاتّخذه وكيلا واصبر على ما يقولون واهجرهم هجراً جميلا وذرني والمكذّبين أولي النعمة ومهّلهم قليلا...) إلى آخر السورة الكريمة، وتتدبّري معناها، وستعلمين طرق العبادة التي لا مشقّة فيها، لأنّ الله لا يكلّف نفساً إلاّ وسعها، وأنت يا ابنتي تتعبّدين إلى درجة الإرهاق الذي يضني جسدك، ومع ذلك تتحاملين على نفسك وتغرقين في العبادة. يا ابنتي اقرئي قول الله تعالى لرسوله الكريم:(إنّ ربّك يعلم أنّك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك والله يقدر الليل والنهار...) إلى آخر سورة المزّمّل، وقد جعل الله العبادة في الليل اختيارية بعد أن كانت إجبارية، لأنّ الله يعلم أنّ من عباده من يجاهد في سبيل الله، ويسعى لنيل رزقه، ولا بدّ له من الراحة ليقوم بعمله. هذا والجهاد عبادة، والسعي في سبيل الرزق عبادة، وإدارة شؤون المنازل للسيدات عبادة، اذكري ذلك وارحمي نفسك وأعطيها قسطها من الراحة، لتقوى على العبادة من غير إرهاق مؤلم، واعلمي أنّك موفّقة، وأنّك مباركة، وأنّك في الصف الأول بين الصالحين والصالحات، وكوني في جميع خطواتك القدوة الحسنة لغيرك، ليقتدي به من أراد الله له الخير والسعادة. وحينئذ قلت: يا جدّي العظيم، يا جدّي الأكبر، سأنفّذ هذه التوجيهات، وأرجو من روحك الطاهرة أن تهب روحي صفاءً، حتّى أبلغ ما أتمنّاه لنفسي من القربى إلى الله تعالى،