عمرها([342]). ونشأت كذلك آية من آيات الله تعالى في قوّة الذاكرة والحافظة، صفاء نفس ونقاء حدس، فكان طبيعياً أن تتّجه بكلّ قواها إلى كتاب الله الكريم، فألمّت بتفسيره وتأويله، فاستجلت غوامضه، وخاضت عبابه. وأخذت وهي تنمو جسماً وعقلا وروحاً، تقوم الليل وتصوم النهار، وتمعن في العبادة والدراسة، فاتّجهت بكلّ روحها إلى دراسة حديث جدّها، فروت منه عن أبيها وآل بيتها وعلماء عصرها، وأخذت بحظٍّ وافر من الفقه والعلم، ومن هنا جاء اللقب الذي اشتهرت به: نفيسة العلم. شغفت بحديث جدّها المصطفى عليه الصلاة والسلام، وروت من الحديث والآثار الكثير من أبيها وآل بيتها وعلماء عصرها، وبخاصّة الإمام مالك بن أنس(رضي الله عنه) بالمدينة، وكان من عادته أن يتصدّر مجالس العلم وفي يمينه موطّؤه، وحوله العلماء وطلاّب العلم وفدوا عليه من سائر الأقطار الإسلامية، ينشر الإمام مالك العلم في أرجاء المدينة، من أرجائها ينساب إلى آفاق العالم المتعطّش له، وكانت أحاديث الإمام مالك علنية، وكانت أصداؤها تصل إلى السيّدة نفيسة، فتأخذ ما تضيفه إلى ما جاءت به من مكّة من سائر علوم القرآن والحديث، وقد سمع عنها الحديث كثير من علماء مصر والراحلين إليها. وقدكان ابن خلّكان يروي: أنّ الإمام الشافعي(رضي الله عنه) لمّا دخل مصر حضر إليها، وسمع عنها الحديث([343]). وقالت زينب بنت يحيى المتوّج، وهو أخو السيّدة نفيسة رضي الله عنهم: كانت عمّتي نفيسة تحفظ القرآن وتفسيره، وكانت تقرأ القرآن وتبكي، وتقول: إلهي وسيّدي، يسِّر لي زيارة خليلك إبراهيم (عليه السلام) ([344]) لأنّها كانت تعلم أنّه أبو الأنبياء، أي أنّه أبو أبيها محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خاتم الأنبياء، وأنّه له بشارة كما ورد في الأثر، وإذن فهو أبو ها وجدّها، وكانت تعرف أنّ