والانحراف الرهيب. فهذه المهمة الجبارة تعدّ عبءاً ثقيلا، ومسؤوليةً كبيرةً، لا يستطيع أحد حملها إلاّ من اصطفاه الله سبحانه، وأعطاه الذهنية الوقّادة، والنفس العالية الهمم، ووهبه العزم الذي لا يخور بحال، وامتلك تربية سامية تتناسب وعلوّ الهدف.... وهكذا تقلّد الأنبياء هذه المسؤولية العظيمة. لكن هذه العملية، لا يمكن أن تتمّ خلال فترة قصيرة وإن كانت محفوفة بجهودهم العظيمة، وذلك للركام الهائل الذي تشبّعت به الذهنية الإنسانية الجاهلة من مسبقات خطرة عشعشت في صميمها بدرجة كبيرة، فلم يكن ممكناً إزالته في مدّة قصيرة، خاصة بعد أن غمرت وجودها من قبل لفترة طويلة. فكان من الطبيعي جداً أن تحتاج هذه العملية إلى قادة مثاليّين يواصلون سير العملية، ويجسّدون تعاليم السماء، ويشكّلون امتداداً لشخصية الأنبياء وكفاحهم، من حيث المهام التي يقومون بها تجاه الهدف السامي، والقدسية والسموّ والإحاطة والقدرة والذهنية الربانية أيضاً وإن افترقوا عنهم في مجال الوحي. وهكذا كان الأوصياء. ولما كان الإسلام هو الحلقة الأخيرة من حلقات البيان السماوي، والرسالة الخاتمة التي بعثها الله سبحانه للبشرية جمعاء، وقد جاءت في مرحلة النضج البشري، لتطرح نفسها أمام العالم والكون برمّته رسالةً إلهيةً خالدة، لها القدرة على أن تتجاوز الزمان والمكان، وتنظم حياة البشرية جمعاء في جميع أطوار حياتها على سطح الأرض. فكان لابد أن يحتاج كل ذلك إلى جهود مضاعفة ومتواصلة مع الزمن حتّى يأخذ الله الأرض ومن عليها، خاصة ويشتمل هذا الزمن الطويل على مراحل يسود فيها الانحراف العقائدي الرهيب تارةً، والفوضى العملية القاتلة أُخرى. فمن الطبيعي جداً ـ والحال هذه ـ أن يحكم المنصف بأنّ الإسلام باعتباره يمتلك برنامجاً عالمياً وخالداً، بحاجة إلى قادة مثاليّين معتمدين يجسّدون تعاليم الإسلام وقيمه الصحيحة على أحسن وجه، ويشكلون بنفس الوقت امتداداً لشخصية نبي الإسلام محمد بن عبدالله (صلى الله عليه وآله وسلم) من جميع الجهات. وهكذا شاء الله تعالى أن ينشأ علي (عليه السلام) في حجر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، يغذّيه ويربّيه وينهله من