مسيرتان و.. صراع: فالإنسانية حينما تنطلق في مسيرتها المتكاملة، فإنها تحتاج إلى فكر خلاّق ونيرّ، ينتقل بها من عالم التأمل الخالص إلى المجالات العلمية البنّاءة، ويحرّض فيها ما أودع في فطرتها وتركيبها النفسي والروحي والجسمي من طاقات وإمكانيات كامنة، وقوى جبّارة مبدعة مودعة فيها، ليحقّق بها مقتضيات الخلافة التي منحها الله تعالى إيّاها وشرّفها بها، بل وسما بها إلى مرتبة كان يحلم بها الملائكة المقرّبون. لكن في المقابل برز الكفر الهدّام الذي انطلق بتحريض من الشيطان وأتباعه، ينهش في الفطرة النقية، ويعكّر صفوها، ويطفئ إشراقها، بمعونة اثنين: الجهل المطبق، وأقطاب الشرّ والظلم. وهكذا وضح على المسرح مسيرتان: إحداهما: تتجلّى فيها معطيات الهداية والإبداع والعمل الصالح. والثانية: تتجلّى فيها معالم الانحراف والتراجع والانكماش. فكان لا بدّ أن ينجم صراع، وتلتحم المسيرتان في معركة ومواجهة شرسة بينهما، فالأولى ترى الثانية أشواكاً زرعت في طريق التكامل والبناء والتطوير، والأخرى تنظر إلى الأولى من كونها مسيرة تشكّل خطراً على مصالحها وشهواتها، وعقبة كبيرة أمام أطماعها، وحربة مسدّدة تطعن جبروتها باستمرار. وشاءت العناية الإلهية بلطفها أن تنتصر للمسيرة الأولى، وتصطف إلى جانبها في صراعها مع الأُخرى، من أجل حسن نمو الإنسانية وتكاملها، ضد المسيرة الثانية التي تدعو إلى الضياع والحياة في الهامش. قادة مثاليّون: لكن لا بدّ لهذا العملية من قادة مربّين، يمتلكون المؤهّلات العظيمة والطاقات الخلاّقة التي تنعدم في الآخرين، يمكنهم بواسطتها من قيادة الصراع، والتأثير في نتائجه، لبلوغ الخطط الإلهية التي من شأنها استهداف أعظم الغايات في حياة الإنسانية. فكان الأنبياء هم القادة لاستلام زمام دفّة السفينة الإنسانية العظمى، والسير بها باتجاه التكامل والسعادة في الدارين، وهم سبل النجاة للبشرية التائهة في مسالك الهلكة