ري الإسلام النقي الطاهر، وينمو وجوده ليضحى قرآناً ناطقاً، وإيماناً حقيقياً صادقاً، وعقلا فذّاً، وذهنيةً خلاّقة وقّادة، وشجاعة نادرة، وعزم منقطع النظير، و...، فهو الوجود المعجزة. وأخيراً كان الحدث العظيم على ملأ لم يجتمع مثله من قبل، ليعلن النبي القائد الأمين نداء الوحي: «من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهمّ وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحقّ حيث دار». وكانت المهمّة العظمى هذه قدر بطت الواقع بالمستقبل الصاعد، ومواصلة المسيرة بامتداد ضروري في علي (عليه السلام) وأولاد علي (صلى الله عليه وآله وسلم) الطاهرين المنتجبين. وهكذا تدفّقت النصوص النبوية لدعم هذه العملية الإلهية وتأييدها، فتارة عبّرت عنهم بسفينة نوح، وأخرى بأحد الثقلين، وثالثة بأصحاب الكساء أو العباء...، وهذه التعابير قد جمعها المؤلّف أثناء التعرّض لها، وبيان المراد منها، كما سيلاحظ من تتبّع فصول هذا الكتاب حتّى آخره. والأمة بعد أن وعت الحقيقة، وأدركت هذا عن أهل البيت، وعرفت يقيناً جوهر سلوكياتهم من الآباء الطاهرين، وحتّى من الأبناء والأحفاد ضمن سلسلة ذهبية ممتدة عبر الزمان، فانطلقت تقدّسهم أيّ تقديس، رغم كل الحملات التشويهية والمزاعم الكاذبة من أجل التشكيك بصورتهم الناصعة. وبقي أهل البيت عبر أجيال الأمة مقدّساً في ضميرها، يسمو على كل الشبهات والأباطيل. ترى ما هي السمات التي بلغت بأهل البيت كلّ هذا المنحى السامي الرفيع ؟ وما هي المقوّمات التي رفعتهم إلى القمم حتّى دقّوا أبواب المجد والخلود ؟ ثروات غزيرة: إنّ الثروة الثقافية والفكرية الغزيرة التي خلّفها أهل البيت: للبشرية عامةً، وللمسلمين خاصةً، كانت تمتاز بالعمق الفكري والأصالة الإنسانية، ممّا جعلتها تنشر أجنحتها على مساحات واسعة من أطراف الدنيا، وتبسطها على قطاعات كبيرة من الثقافات الإنسانية الأُخرى، وإن حالت دون إشعاعها غيوم من الجهل والجمود، لكن سرعان ما تبدّدت هذه الغيوم وانحسرت بفضل ما امتازت بها هذه الثروة الخلاّقة العظيمة من فضل ومجد عظيم.