ب ـ تربية الإنسان ـ عبر ما سبق ـ على أسلوب العيش في سبيل الله، ونسيان المصالح الذاتية في قبال الله تعالى، وما يرضاه من التضحية في سبيل المجتمع ومصالحه ـ وهو ينتهي بالتالي إلى حلّ مشكلة كبرى في مسيرته نحو الكمال، وهي مشكلة التعارض بين المصالح الذاتية الضيّقة والمصالح الاجتماعية الواسعة، فيقدم هذا النظام بدوره أعظم خدمة للمسيرة الاجتماعية. ج ـ تربية الإنسان على تنمية البعد الإنساني في وجوده، عبر تمرينه على امتلاك (الوعي الدائم) و (الإرادة المبتنية على ذلك) وهما سر تميز الإنسان على غيره.. وإننا لنجد هذا بوضوح في كل العبادات الخاصة على اختلاف في التركيز على هذا الجانب أو ذاك. د ـ وأخيراً إثارة حسّ المسؤولية في وجوده أمام الله تعالى، وهو العنصر الضروري لتنظيم المجتمع، وتكوين الجو الذي يتكامل في إطاره الفرد الإنساني، ويمشي في طريقه الطويل إلى الكمال. وعلى أي حال، فانَّ نظام العبادات في الإسلام يسمو فوق كلّ التصورات عن الطقوس الدينية في المذاهب والمبادئ الأُخرى. إنّه ليس تكريساً وإشباعاً لطموح آلهة متكبّرة تريد أن تُذلّ الإنسان، وليس عملية استرضاء لغضب الهي جامح، وليس إلهاءً للإنسان كي لا يفكر في منافسة الإله، كلاّ إنّه ليس كلّ هذا، لأنّ هذا من سخف الجاهلين الضّالين. وبنفس المستوى تصوره عملية إذلال للإنسان، وتحكيم للطغاة. إنَّ نظام العبادات ينبع من مسيرة الكمال الإنسانية التي تَفَضَّل الله العظيم بمقتضى رحمته الواسعة، فوضع الإنسان فيها ليتكامل ويحقق هدف الخلقة، لا كما يقول البعض: ليحقّق هدفاً للخالق. فالخالق غنيٌّ غنىً مطلقاً، وإنّما كما قلت: ليحقق هدفه هو، هدف الخلقة الممكنة. فإذا كلّف الإنسان بصلاة أو صوم، فإنّما ذلك لاحتياج مسيرته التكاملية ـ في علم الله ـ إلى هذا العمل.