إنّه نظام يخلق الالتحام بين الهدف العظيم، والسلوك الفردي، والعمل الاجتماعي بشكل رائع. إنّه حتّى وهو يطبق على المستوى الفردي المنعزل; يقوم بعملية التربية الاجتماعية المطلوبة لتحقيق الأهداف الكبرى، وإن شئتم فلاحظوا شروط الصلاة من توجه إلى القبلة، وطهارة الثياب من درن، أو غصب وغير ذلك، فستجدونها تعمل بشكل رائع على تحقيق الهدف الاجتماعي التكاملي الإنساني المطلوب. ويتجلّى البعد الاجتماعي أكثر مما يتجلّى في بعض الأعمال العبادية كالجهاد، وهو مشروط بقصد القربة، والعتق، والحج وغير ذلك. ولكنه يجد له أعظم مصداق في صلاة الجمعة التي اعتبرها صورة مصغّرة للمجتمع الإسلامي، يقدّمها الإسلام حسّاً كلّ أُسبوع لأفراد المجتمع. والواقع إنّنا حتّى لو لم ندخل في استعراض البعد الاجتماعي السياسي لهذه الصلاة، واكتفينا بفهم أصول العقيدة الإسلامية، والنظرات والمفاهيم المبتنية عليها، والصياغة الإسلامية للنظام الذي يجب أن يطبقه الإنسان في حياته، ومعنى الحرام والواجب، والمكروه والمستحب والمباح والبطلان والصحة وغير ذلك. وفوق هذا مفهوم (القربة إلى الله) وانعكاساته الاجتماعية المتمثلة في العمل في سبيل تحقيق رضا الله، المتجسد في إقامة مجتمع المتّقين بكلّ أبعاده. نعم، لو اكتفينا بهذه النظرة الإجمالية، لأمكننا أن نؤمن إجمالاً بوجود البُعد السياسي في كلّ عبادة، فكيف بنا ونحن نشهده واضحاً تمام الوضوح في صلاة الجمعة، اللّهمَّ إلاّ أن يفقد الإنسان حاستي سمعه وبصره نتيجة طغيان الأهداف الضيّقة. إنَّ صلاة الجمعة من خلال شكلها ومضمونها عبادة اجتماعية سياسية بكلّ ما في هذا من معنى ضخم. وها أنا أحاول فيما يلي أن أُقدم استعراضاً سريعاً لهذا الشكل والمضمون، مكتفياً بذكر