صلاة الجمعة عبادة سياسية لقد جاء الأنبياء ليُعبِّدوا الإنسانية لله العظيم، فيضمنوا لها السير على خط الفطرة الأصيل، خط التكامل الحقيقي... إنَّ العبودية الحقيقية تعني تعرّف الإنسان على الحقيقة الكبرى في الكون، وهي (الكمال المطلق) وحقيقته هو كموجود خلقه الله وغمره بالنعم، وسخّر له ما في السماوات والأرض، وانطلاقته ـ أي الإنسان ـ للقيام بحقّ العبودية، وصياغة حياته وفق هدى الله الرحمن الرحيم. وقد جاء نظام العبادات كجزء من النظام الإسلامي العام ليقوم بدور مهم في هذا السبيل من خلال: ألف ـ تركيز الإيمان بالله تعالى، وبالتالي تعميق هدف الحياة الإنسانية، وإشباع طموح الفطرة نحو الكمال بأقصى غاياته، وحلّ أكبر عقبة في طريقه التاريخي الطويل، تلك العقبة المتمثلة في وجهها الإفراطي في الإيمان بالأمور النسبية، والارتفاع بها إلى مستوى المطلق، وذلك كالارتفاع بالقبيلة والشمس والقمر قديماً، أو العلم والتجربة والاقتصاد حديثاً إلى مستوى مطلق يجعلها المحرّك الرئيس للتاريخ. أمّا وجهها التفريطي فيتمثل في عدم الإيمان بأيّة «قيمة» في الحياة، وإتباع الأسلوب اللامنتمي واللامبالي فيها، وكلاهما وجهان خطران على الحضارة الإنسانية الحقّة.. فإذا كان الإيمان بالله المطلق الحقيقي حلاًّ لذلك، فإنّ العبادات تقوم بتركيز هذا الإيمان باستمرار، وتنظيم تأثيراته، وتعميق متطلباته، مستفيدة من النيّة كعنصر نفسي، ومن المضمون والشكل والحركة والظروف المطلوبة لتحقيق الهدف.