بها، وتتأصّل في وجودها معاني التوحيد التي يرمز إليها. فالأمان الحقيقي هو أمان هذا البيت، والأمان الحقيقي هو الأمان الذي ينبع من الاعتقاد بالله العظيم والالتجاء إليه تعالى وهو القادر المطلق، والأمان المطلق للخائفين، والرحيم الودود بعباده، وحينئذ فلا خوف من المستقبل ولا حزن على الماضي. إنّه أمان اللجوء إلى نظام الله والتخلُّص من ضَلال النُظُم الوضعيّة، وإنّه أمان اللجوء إلى رضا الله كمقياس موحّد للبشريّة والتخلُّص من المقاييس المادّية الممزِّقة. وإنّه أمان التلاحم بين القلوب المخلصة التي تعمل لتحقيق خصائص الاُمّة الإسلامية. وإنّه أمان الأجيال الإنسانية المتتابعة على خطّ واحد تترسّم سبيل الأنبياء (عليهم السلام)، وتنفّذ أوامر الله تعالى كالملائكة المطيفين بعرش الله. وإنّه أمان الحاملين لعلم الله ولواء الإسلام الحنيف. كلُّ هذه المعاني يبعثها في النفوس هذا الحكم الإلهيّ المهمّ. يقول أمير المؤمنين علي (عليه السلام): «وفرض عليكم حجّ بيته الحرام، الذي جعله قبلةً للأنام، يَرِدونه ورود الأنعام، ويألهُون إليه وُلوه الحمام، وجعله سبحانه علامةً لتواضعهم لعظمته، وإذعانهم لعزَّته، واختار من خلقه سمّـاعاً أجابوا إليه دعوته، وصدّقوا كلمته، ووقفوا مواقف أنبيائه، وتشبَّهوا بملائكته المطيفين بعرشه، يحرزون الأرباح في متجر عبادته، ويتبادرون عنده موعد مغفرته، جعله سبحانه وتعالى للإسلام علماً، وللعائذين حرماً، فرض حقَّه وأوجب حجَّه وكتب عليكم وفادته» ([95]). ونحن نلاحظ في هذا النصّ الشريف تأكيد الأُمور التالية: