تُذكَر في جواب من يتساءل: عن الدوافع لتلمّس هذه الآثار السياسيّة والاجتماعيّة. وهذه الحقيقية المهمّة تتلخّص في: أنّ الاُطروحة الإسلامية هي اُطروحة الحياة الإنسانية المتكاملة، وأنّ كلّ جزء منها يتلاحم مع باقي الأجزاء لتحقيق الهدف الإنساني الكبير، فلا يمكن تصوّر انفصال أيِّ جزء عن ذلك التخطيط الموحّد; ولهذا ننظر إلى نظام العبادات من هذا المنظار، كما ننظر لكلّ عبادة كذلك، وبالخصوص عبادة الحجّ، إذ أنّها بالإضافة لهذا الإطار الاجتماعي السياسي العام تعبّر ـ عند أدنى تأمّل ـ: عن أروع تربية اجتماعيّة للبشريّة على كيفيّة المسيرة التي يجب أنْ تختارها، ونوعيّة المجتمع الذي يجب أنْ يُبنى. وعلى أيّ حال، فإنّنا نتصوَّر أنّ حكم التقديس والحرمة والأمان الممنوح للحرم ينتج عنه الكثير من الآثار، ويثير الكثير من الأحاسيس والمشاعر، ويعبّر عن واقعية الإسلام في عمليّة بنائه الرائع للإنسان الفرد والمجتمع، ذلك أنّ البشريّة تسعى للأمان وتحقيقه سعياً فطريّاً، نعرفه بوضوح لدى أيّ تأمّل عمقيّ في ذواتنا ومكنوناتها، ولا أدلّ على ذلك من توافق كلّ الشعوب من خلال اتفاقيّات دوليّة تضمن تحقيق هذه الغاية بشتّى السُبل والوسائل الممكنة عبر هيئة دوليّة عامّة. وبعد هذا نقول: إنّنا لا نريد هنا الحكم على علّة الجعل التشريعي هذه، وإنّما نحاول تلمُّس هذه الآثار من خلال ما نشعر به ونستظهره من النصوص، وما نحسّ به وجداناً من آثار دون أنْ ندّعي ـ والعياذ بالله ـ أنّها هي المقصودة لا غير، أو أنّنا استقصينا كلَّ الآثار، وإنّما هي أفكار تعبّر عمّا نتصوّره من آثار لاغير. وهنا نقول: إنّه يمكن تلخيص هذه الآثار بما يلي: أوّلاً: الإشعار بأنّ البيت الحرام وهذه البقعة المقدّسة التي تحيط به هي مدار حركة الأرض، وأنّ على البشريّة إذا أرادت لنفسها الأمان من الأهواء والآلهة الوهميّة والضياع في متاهات الضلال، أنْ تطوف حول هذا البيت وتعمل بالشريعة التي يبشّّر