والأمن ـ وأمعنّا فيما يعتقده الناس من تقديس هذا البيت العتيق، وما أحاط به من حرم الله الآمن، وقد رُكِّز ذلك في نفوسهم منذ أربعة آلاف سنة حتّى اليوم، وجدنا ما لا يُحصى من الخيرات والبركات الدينيّة والدنيويّة عائدةً إلى أهلها، وإلى سائر أهل الحقّ ممّن يحنّ إليهم ويتعلّق قلبه بهم، وقد ضبط التاريخ من ذلك شيئاً كثيراً) ([91]). أمّا الفخر الرازي فهو، بعد أنْ يعمّم لفظ البيت ليشمل كلّ الحرم بملاحظة: جواز إطلاق البيت وإرادة الحرم كلِّه، كما في قوله تعالى: (هَدْيَاً بالغ الكعبة) ([92])، والمراد به الحرم كلّه لا الكعبة نفسها; لأنّه لا يُذبَح في الكعبة ولا في المسجد الحرام، وبعد أنْ يؤكّد أنّ المقصود هو الأمن التشريعيّ، يقول: (فكان البيت محترماً بحكم الله تعالى، وكانت الجاهليّة متمسّكة بتحريمه لا يهيجون على أحد التجأ إليه، وكانوا يسمّون قريشاً: «أهل الله» تعظيماً له) ([93]). وذكر ياقوت الحموي في معجم البلدان: أنّ أهل «حمس» كانوا يرفضون الاحتفاظ بالماعز والبقر عندهم، وكانوا يتجنّبون تخويف الذئاب، ولا يدخلون البيوت والخيام المصنوعة من الطين والشَّعر، بل كانوا يسكنون فقط داخل الخيام المصنوعة من الجلد الأحمر ([94]). وهناك الكثير من الروايات والأقوال التي تؤكّد بما لا مزيد عليه أهميّة هذه المنطقة المقدّسة، فلنكتفِ إذنْ بما ذكرناه ولننتقل لذكر الآثار الاجتماعيّة والسياسيّة لهذا الحكم التشريعيّ المهمّ. وقبل أنْ نبيّن ما يبدو لنا في ذلك لابدّ من الإشارة إلى حقيقة مهمّة