للعالمين. اللّهُمّ إنّي عبدك، والبلد بلدك، والبيت بيتك، جئت أطلب رحمتك، وأؤم طاعتك، مطيعاً لأمرك، راضياً بقدرك، أسألك مسألة المضطرّ إليك، الخائف لعقوبتك. اللّهُمّ افتح لي أبواب رحمتك، واستعملني بطاعتك ومرضاتك» ([52]). والآن ألا تبدو في هذا النصّ كلّ معاني الأفعال وموحياتها: معنى التوبة، والعودة إلى الله، وتزكية النفس، والشكر لله، ومعنى التذكير: بأنّ البيت مثابة للناس (وفي هذه الكلمة: «مثابة» معان كثيرة لا يبعد أنْ تكون مُراده جميعاً)، وأمن وبركة، وهدى للعالمين لكلّ الأرض، وكذا معاني الانشداد العبودي العاطفي بالله تعالى، وتلقين النفس بالطاعة عبر تقديم يد الولاء في هذا المشهد، وعبر التذكير بضعف الإنسان وخوفه من العقوبة وأمله بالرحمة، وأخيراً هذا الطلب الرائع: «واستعملني بطاعتك ومرضاتك»: ربّ فاجعلني وسيلةً لتحقيق رضاك في الأرض. وروي عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: «إذا دخلت المسجد الحرام وحاذيت الحجر الأسود فقل: أشهد أنْ لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله. آمنت بالله، وكفرت بالطاغوت وباللاّت والعزّى، وبعبادة الشيطان، وبعبادة كلّ ندٍّ يُدعى من دون الله. ثمَّ ادن من الحجر واستلمه بيمينك ثمّ تقول: بسم الله وبالله والله أكبر، اللّهُمّ أمانتي أدّيتها، وميثاقي تعاهدته، لتشهد لي بالموافاة» ([53]). وتكاد المعاني التي ذُكرت في إيحاءات عمل الطواف تتجلّى في نصّ الدعاء هذا. إنّها الشهادة بالوحدانية لله، والعبوديّة، والرسالة لمحمد (صلى الله عليه وآله)، وتأكيد الإيمان بالمطلق، والكفر بالطواغيت واللاّت والعزّى، وعبادة الشيطان، وكلّ من هُم على شاكلة الشيطان من الأرباب الوهميّة التي تُدعى من دون الله. ثمَّ هذا الدنوّ من الحجر الأسود لتقبيله يقترن بتذكير رائع. فالحجر الأسود نموذج حسّي من عالم الغيب، مقدّس رعاه الأنبياء (عليهم السلام) جميعاً، تنفتح منه أبواب غيبيّة واسعة. هذا الحجر أمدّ له يدي لاؤدّي ميثاق الله وأمانة الله التي أودعها في فطرتي، ولاُعاهد الغيب من جديد على أنْ أتعاهد ميثاقي في كلّ مسيرتي الحياتيّة، وأتذكّر مقتضيات هذا العهد في كلِّ زمان ومكان وحالة، كلّ ذلك في إطار البسملة، بما تحمله من معان جمّة، وذكر الله وتكبيره جلّ وعلا. إنّها ثورة المشاعر وطمأنينتها بالله في آن واحد، وإنّه الإسلام يغرس في القلوب