أقول: ويدلّ هذا الحديث ـ وأمثاله كثير ـ على: أنّ المتعة واجبة على نحو العزيمة لا الترديد; لأنّ سبب غضب رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو: أنّه أمر فلم يُتَّبع، فلو كان مباحاً كان اتّباعه في عمله وتركه، فكلّ من لم يكن معه هَديٌ واجبهُ المتعةَ من أصحابه الذين أتوا من بعيد. وأمّا فرض غير المتعة لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام فهو مرفوض عندنا، وفي ذلك روايات ذكرناها آنفاً. وأمّا روايات أهل السنّة التي قد يُدّعى دلالتها على فرض غير المتعة عليهم فهي على أصناف: الصنف الأوّل: أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) قد أفرد الحجّ، وقد سقنا هذه الروايات في باب: (إهلال رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالحجّ مفرداً)، وهذه لا تدلّ على أنّ الفرض على البعيد هو الإفراد; وذلك: لأنّ إفراد النبي (صلى الله عليه وآله) كان قبل نزول الوحي بلزوم التمتّع، مع أنّه (صلى الله عليه وآله) هو القائل: «لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهَدي»، كما في روايات كثيرة. هذا مضافاً إلى ما عرفت: من أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) كان قد حجّ قبل حجّة الوداع حججاً كثيرة، فلا تكون هذه الحجّة التي حجّها هي الحجّة الواجبة بل المندوبة، وكلامنا في: ما هو المفروض على البعيد، لا في ما هو المندوب. الصنف الثاني: الروايات الدالّة على: أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) كان قد قرن بين الحجّ والعمرة، فهي تدلّ على: جواز القِران بين العمرة والحجّ، وهذا الصنف ـ مضافاً إلى قلّته في قبال الإفراد ـ لا يدلّ لما عرفت آنفاً، مع أنّ في المقام روايات تدلّ على أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) لم يقم إلاّ بأفعال الحجّ المفرد، حتّى الروايات المصرّحة بالقِران، وهي: 5 ـ (سنن ابن ماجة): أخرج ابن ماجة قال: حدّثنا محرز بن سلمة، حدّثنا عبد العزيز بن محمد، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر: أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: «من أحرم بالحجّ والعمرة كفى لهما طوافٌ واحد، ولم يحلّ حتّى يقضي حجّه ويحلّ منهما