في حوزته، ولا يفهم كيف تضيق به كراهة الظلم وغيره العقيدة عن الاحتمال. وشعوره هذا يحول بينه وبين الحكم الصحيح على حوادث التأريخ ; لأنّه يحول بينه وبين انتظار هذه الحوادث حيث تنتظر لا محالة، واستبعادها حيث هي بعيدة عن التقدير. فلم يحدث قط في مواجهة الظلم وانتزاع الدول المكروهة أن شعر الناس كما أرادهم الأُستاذ أن يشعروا، أو فكّروا في الأمر كما أرادهم أن يفكّروا. ومستحيل حدوث هذا أشدّ الاستحالة، وليس قصاراه أنّه لم يحدث من قبل في حركات التأريخ. فهذه الحركات التي تواجه الدول المكروهة لا تنتظر ـ ولا يمكن أن تنتظر ـ حتّى تربي قوّتها وعدّتها على ما في أيدي الدولة التي تكرهها من قوّة وعدّة. ولكنّها حركة أو دعوة تبدأ بفرد واحد يجترئ على ما يهابه الآخرون، ثمّ يلحق به ثان وثالث ورابع ما شاء له الإقناع وضيق الذرع بالأُمور، ثمّ ما ينالهم من نقمة، فيشيع الغضب وينكشف الظلم عمّن كان في غفلة عنه، ثمّ يشتدّ الحرج بالظالم، فيدفعه الحرج إلى التخبّط على غير هدى، ويخرج من تخبّط غير غليظ أحمق إلى تخبّط أغلظ منه وأحمق.. فلا هم يقفون في امتعاضهم وتذمرهم، ولا هو يقف في بطشه وجبروته، حتّى يغلو به البطش والجبروت، فيكون فيه وهنه والقضاء عليه.