ومن المعقّبين على تأريخ هذه الفترة عندنا في العربيّة مؤرّخ يتّخذ منه المثل لكلٍّ من العذر والعطف حين يصل الأمر إلى الاستشهاد كراهة للظلم ودرءً للمنكرات، وهو الأُستاذ محمّد الخضري([529]) صاحب تأريخ الأُمم الإسلاميّة (رحمه الله). ففي تعقيبه على ثورة المدينة التي قدّمنا الإشارة إليها يقول: « إنّ الإنسان ليعجب من هذا التهوّر الغريب والمظهر الذي ظهر به أهل المدينة في قيامهم وحدهم بخلع خليفة في إمكانه أن يجرّد عليهم من الجيوش ما لا يمكنهم أن يقفوا في وجهه. ولا ندري ما الذي كانوا يريدونه بعد خلع يزيد ؟.. أيكونون مستقلّين عن بقيّة الأمصار الإسلاميّة لهم خليفة منهم يلي أمرهم، أم حمل بقيّة الأُمّة على الدخول في أمرهم ؟.. وكيف يكون هذا وهم منقطعون عن بقيّة الأمصار، ولم يكن معهم في هذا الأمر أحد من الجنود الإسلاميّة ؟.. إنّهم فتقوا فتقاً وارتكبوا جرماً، فعليهم جزء عظيم من تبعة انتهاك حرمة المدينة، وكان اللازم على يزيد وأمير الجيش أن لايسرف في معاملتهم بهذه المعاملة، فإنّه كان من الممكن أن يأخذهم بالحصار »([530]). * * * ويخيّل إليك وأنت تقرأ كلام الأُستاذ عن هذه الفترة كلّها أنّ لديه أعذاراً ليزيد وليس لديه عذر لأهل المدينة ; لأنّه يفهم كيف يغضب المرء لما