وعلى هذا النحو يعرف المؤرّخ الذي يعالج النفوس الآدميّة ما هو من طبعها وما هو خليق أن ينتظر منها، فلا يعالجها حقّ العلاج على أنّها مسألة جمع وطرح في دفتر الحساب بين هذا الفريق وذاك الفريق. وعلى هذا النحو تكون حركة الحسين قد سلكت طريقها الذي لابدّ لها أن تسلكه، وما كان لها قط من مسلك سواه. * * * وصل الأمر في عهد يزيد إلى حدٍّ لا يعالح بغير الاستشهاد وما نحا منحاه. وهذا هو الاستشهاد ومنحاه. وهو ـ بالبداهة التي لا تحتاج إلى مقابلة طويلة ـ منحنى غير منحى الحساب والجمع والطرح في دفاتر التجّار. ومع هذا يدع المؤرّخ الطريق الشهادة تمضي إلى نهاية مطافها ثمّ يتناول دفتر التجّار كما يشاء.. فإنّه لواجد في نهاية المطاف أنّ دفتر التجّار لن يكتب الربح آخراً إلاّ في صفحة الشهداء. فالدعاة المستشهدون يخسرون حياتهم وحياة ذويهم، ولكنّهم يرسلون دعوتهم من بعدهم ناجحة متفاقمة، فتظفر في نهاية مطافها بكلّ شيء حتّى المظاهر العرضيّة والمنافع الأرضيّة. وأصحاب المظاهر العرضيّة والمنافع الأرضيّة يكسبون في أوّل الشوط، ثمّ ينهزمون في وجه الدعوة المستشهدة حتّى يخسروا حياتهم أو حياة ذويهم، وتوزن حظوظهم بكلّ ميزان فإذا هم بكلّ ميزان خاسرون. وهكذا أخفق الحسين ونجح يزيد.