تروح وتأتي وتكثر حيناً وتندر في غير ذلك من الأحيان. أمّا حبّ المنفعة فإن سمّيته فضيلة فهو من الفضائل التي لن تفارق الأحياء أجمعين من ناطقة وعجماء. * * * على أنّ الطبائع الآدميّة قد أُشربت حبّ الشهداء والعطف عليهم وتقديس ذكرهم بغير تلقين ولا نصيحة، وإنّما تنحرف عن سواء هذه السنة لعوارض طارئة أو باقية تمنعها أن تستقيم معها. وأكثر ما تأتي هذه العوارض من تضليل المنفعة والهوى القريب، أو من نكسة في الطبع تغريه بالضغن على كلّ خلق سوي وسجيّة سمحة محبّبة إلى الناس عامّة، أو من الإفراط في حبّ الدعة حتّى يجفل المرء من الشهادة استهوالاً لتكاليفها واستعظاماً للقدوة بها، فيتّهم الشهداء بالهوج ويتعقّب أعمالهم بالنقد لكيلا يتّهم نفسه بالجبن والضعة ويستحقّ المذمّة واللوم في رأي ضميره. وإن لم يتّهمهم بالهوج ولم يتعقّبهم بالنقد وقف من فضائلهم موقف إزورار وفتور، وجنح إلى معذرة الآخرين والتفاهم بينه وبين من لا يستشهدون، ثمّ يعارضون الشهداء فيما يطمحون إليه. ومعظم المؤرّخين الذين يعارضون الشهداء ودعاتهم لغير منفعة أو نكسة هم من أصحاب الدعة المفرطة وأنصار السلامة الناجية، ويغلب على هذه الخلّة أن تسلبهم ملكة التأريخ الصحيح ; لأنّها تعرّضهم للخطأ في الحكم والتفكير، كما تعرّضهم للخطأ في العطف والشعور.