وكانت له ندحة عن ضرب الكعبة واستباحة المدينة وتسليط أمثال مسلم بن عقبة وعبيد الله بن زياد على خلائق الله. وكانت له ندحة عن السمعة التي لصقت به ولم تلصق به افتراءً ولا ادّعاءً، كما يزعم صنائعه ومأجوروه ; لأنّ واصفيه بتلك السمعة لم يلصقوا مثلها بأبيه. ومن كان حقّه في النعمة التي نعم بها مغتصباً ينتزعه عنوة لا يكن حقّه في الفضل والكرامة جزافاً لا حسيب عليه. * * * وتسديد العطف الإنساني هنا فرض من أقدس الفروض على الناظرين في سير الغابرين ; لأنّ العطف الإنساني هو كلّ ما يملك التأريخ من جزاء، وهو الثروة الوحيدة التي يحتفظ بها الخلود. وإنّنا لندع الخطأ في سياسة النفعيين، وننظر إليهم كأنّهم مصيبون في السياسة بصراء بمواقع التدبير. فعلى هذه الصفة ـ لو تمّت لهم ـ لا يحقّ لخادم زمانه أن ينازع الشهداء في ذخيرة العطف الخالد، وهم خدّام العقائد التي تتخطّى حياة الأجيال كما تتخطّى حياة الأفراد. فإنّ حرمان الشهداء حقّهم في عطف الأسلاف والأخلاف خطأ في الشعور وخطأ كذلك في التفكير. والناس خاسرون إذا بطل عطفهم على الشهداء. وليس قصارى أمرهم أنّهم قساة أو جاحدون ; لأنّ الشهادة فضيلة