فإذا سعى أحد بالحيلة فخدع الناس وبلغ مأربه فليكن ذلك مغنمه وكفى، ولا ينفعه ذلك في استلاب السمعة المحبوبة والعطف الخالص والثناء الرفيع. وإذا خسر أحد حياته في سبيل إيمانه فلتكن تلك خسارته وكفى، ولا ينكب فوق ذلك بخسارة في السمعة والعطف والثناء. فلو جاز هذا لكان العطف الإنساني أزيف ما عرفناه في هذه الدنيا من الزيوف ; لأنّ خديعة واحدة تشتريه وتستبقيه، وما من زيف في العروض الأُخرى إلاّ وهو ينطلي يوماً وينكشف بقيّة الأيام. * * * وإذا كان احتيال الإنسان لنفسه معطيه كلّ ما تهبه الدنيا من غنم النفع والمحبّة والثناء، فقد ربح المحتالون وخسر نوع الإنسان. وإذا كانت خسارة المرء في سبيل إيمانه تجمع عليه كلّ خسارة، فالأحمق الفاشل من يطلب الخير للناس ويغفل عن نفسه في طلاّبه. فكفى الواصل ما وصل إليه. وكثير عليه أن يطمع عند الخلف والسلف فيما ادّخرته الإنسانيّة من الثناء والعطف لمن يكرمونها بفضيلة الشهادة والتضحية ويخسرون. وهذا الفيصل العادل أعدل ما يكون فيما بين الحسين ويزيد. فإذا قيل: إنّ معاوية قد عمل وقد أفلح بالحيلة والدهاء، فيزيد لم يعمل ولم يفلح بحيلة ولا دهاء، ولكنّه ورث المنافع التي يشتري بها الأيدي والسيوف، فجال بها جولة رابحة في كفاح الضمائر والقلوب.