ثمّ تنقلب الآية أيّما انقلاب.. ويقوم الميزان، فلا يختلف عارفان بين كفّة الرجحان وكفّة الخسران.. وهذا الذي قصدناه إلى تبيينه وجلائه بتسطير هذه الفصول. * * * وما من عبرة أولى من هذه بالتبيين والجلاء لدارس التأريخ ودارس الحياة وطالب المعنى البعيد في أطوار هذا الوجود. ولسنا نقول: إنّ الصراع بين الحسين ويزيد مثل جامع لكلّ ألوان الصراع بين الشهادة والمنفعة أو بين الإيمان والمآرب الأرضيّة، فإنّ لهذا الصراع لألواناً تتعدّد ولا تتكرّر على هذا المثال، وإنّ له لعناصر لم تجتمع كلّها في طرفي الخصومة بين الرجلين، وأشواطاً لم تتّخذ الطريق الذي اتّخذته هذه الخصومة في البداية والنهاية. ولسنا نقول: إنّ الصراع بين الحسين ويزيد مثل جامع لكلّ ألوان الصراع وتفرّدها بارزة ماثلة للتأمّل والتعقيب، وهي: أنّ مسألة الحسين ويزيد قد كانت صراعاً بين خلقين خالدين، وقد كانت جولة من جولات هذين الخلقين اللذين تجاولا أحقاباً غابرات ولا يزالان يتجاولان فيما يلي من الأحقاب، وقد أسفرا عن نتيجة فاصلة ينفرد لها مكان معروف بين سائر الجولات، وليست جولة أُخرى منهنّ بأحقّ منها بالتعليق والتصديق. ووجهتنا من هذه العبرة أن يعطي كلّ خلق من أخلاق العاملين حقّه بمعيار لا غبن فيه.